المقالات

الأزمة الديموغرافية في “إسرائيل” والوضع الأمني

الأزمة الديموغرافية في “إسرائيل” والوضع الأمني

خالد وليد محمود

كشف استطلاع نشرته صحيفة “هآرتس” العبرية قبل أيام ونشر على موقعها الالكتروني أن نحو 40% من الإسرائيليين يفكرون بالهجرة والعيش في دولة آخرى في حال تسنى لهم ذلك. وقالت الصحيفة إن نتائج هذا الاستطلاع مفاجئة في ظل المعطيات الرسمية لدائرة الإحصاءات المركزية ل(إسرائيل).

المعروف أنه ومنذ إنشاء دولة (إسرائيل)، كان هناك توجس من الفارق العددي بين اليهود والعرب. ولكن منذ أن احتلت (إسرائيل) أراضي عربية مكتظة بالسكان فى عام 1967، فقد أصبح الهاجس هو التوازن العددي داخل الدولة الإسرائيلية.

وكان للواقع الأمني الذي تمر به (إسرائيل) دور مهم في هذا الموضوع، إذ لم يكن يوما ولا في أضغاث أحلامها تتصور الهجرة المعاكسة ولطالما اجتهدت الحركات الصهيونية وبذلت قصارى جهدها منذ قيام (إسرائيل) عام 1948 وما قبل ذلك، لاقتلاع الفلسطينيين من أرضهم وديارهم، وارتكبت في سبيل ذلك المجازر والمذابح، وعملت على طرد أكثر من ثلاثة أرباع مليون فلسطيني من أراضيهم، ولطالما شكلت سياسة “الترانسفير” أو “التهجير”؛ عموداً رئيسياً من أعمدة الفكر الصهيوني، فدعاة الترانسفير بكافة أشكاله، السكان بلا الأرض، أو السكان والأرض أو الترحيل الطوعي أو القسري، يجتهدون في وضع الحلول “العملية والتفصيلية”، لكل المنظرين وصناع القرار الإسرائيلي الذين يحلمون بدولة يهودية نظيفة من العرب، أما وأنهم باتوا يقفون أمام واقع مختلف وهو واقع أمني يشير الى ان (إسرائيل) باتت تسير إلى المجهول في ظل غياب سياسة واضحة وتخبط على المستوى القيادي والأمني وهذا ما ظهر جليا في حرب غزة ,وفشل امني و قيادي في إدارة المعركة والانتهاء إلى صراعات داخلية واستقالات وخلافات كان لها التأثير الأكبر لشعور الاسرائيلي بعدم الاستقرار والتفكير بالهجرة بعيدا عن الصراعات القائمة داخليا وخارجيا . كما أن أرض العسل التي شبهت للمهاجرين اليهود لم تعد كذلك بنظرهم.

الخطر القادم على (إسرائيل) بات ينبع من الخلل في التوازن الديمغرافي، الذي سيؤدي في المستقبل إلى غالبية عربية سواء كان ذلك على مستوى دولة (إسرائيل)، ولذلك يتوجب إعادة تعريف المصالح الإسرائيلية ببناء الدولة اليهودية والديمقراطية، وما يتم على ارض الواقع من استمرار احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة لن يؤدي إلى تحقيق هذا الهدف. ولذلك يجب تقسيم الأرض ليس مقابل السلام المنشود مع العرب وإنما بسبب أن (إسرائيل) في حال عدم قيامها بذلك لن تكون هناك دولة يهودية وستكون حكومة الدولة الإسرائيلية في المستقبل حكومة الأقلية اليهودية التي تحكم الأغلبية العربية وذلك ما اثبت التاريخ عدم واقعيته، لذلك لا مفر من تقسيم الأرض بين الشعبين، حتى لو كان ذلك من جانب واحد.

أمام هذا الوضع، تبدو (إسرائيل) أمام مأزق جدي ومهدد حقيقي، خصوصاً أن الأمر يسير بشكل طبيعي من الصعب أن ينجح التدخل لمحاولة تغييره أو تقليل أخطاره هذا ما جعل الحديث يأخذ طابعاً (هستيرياً) عن الأزمة الديموغرافية القادمة وهذه الاخيرة سترجح كفة أصحاب الوطن الأصليين وستشكل الزيادة السكانية الفلسطينية في الأعوام القادمة خطرا امنيا وتدق آخر مسمار في نعش حلم الصهيونية الأول بشأن إقامة الدولة اليهودية الخالصة.

الصحافي الإسرائيلي (أمفون دنكنر) كتب علناً: “صحيح لدينا مشاكل عاجلة جسيمة، صحيح أننا نواجه تهديدات تكتيكية استراتيجية يومياً، صحيح أن العبوات الناسفة تنفجر في مدننا والصواريخ مواجهة إلينا، لكن القنبلة الموقوتة الديموغرافية هي التهديد الاستراتيجي العظيم والحقيقي على الحلم الصهيوني”.

فلسطين أون لاين، 22/12/2012

مقالات ذات صلة