المقالات

غزة… ” غارنيكا” فوق جبين البلاد

غزة… ” غارنيكا” فوق جبين البلاد

بقلم: مروان عبد العال

أعُدُّ المدن مُدُنِي ، بأصابع طفل عُثر على بعضٍ من خربشاته فوق دفترٍ مدرسي ، طارت وراقه في ريح القتل بالجملة ولكامل أفراد الأسرة ، مشهد يختلط فيه اللحم بالتراب بالسجل العائلي، في “غارنيكا ” جديدة من ملحمة تحمل أسرارها بلا مصباح يضيء ضمير البشرية، تصرخ في وجه بلاد، جدارية، أبعثرُها، وأركِّبُها كما أشاء وأرفعُها بأعمدة وهمية إلى سماء متخيّلة، لكنها تظل تحبو في أوردتي، وتنتفخُ بها زوايا صدري. أتعثّر بها عن طيب لسان وزلّة قلم، لكثرة ما أصرُّ على تردادها، وتلاوة اسمائها المحفورة في خرائط روحي كوثائق مثقوبة النّسب. الجليل ليس جزءا مني، بل هو َانا “مِنُّه وْفِيه” مهما طال وجع غيابه، لا تسألي عن ألواني الضائعة في الناصرة! لا تسألي كم احتاجها كمحور جديد يدور على رأسها بلبل يغزل من الجليل الى النقب الى المثلث فالكرمل. هي بين الكلمات الاشد غزارة من الطلقات، والوقت الاكثر سخونة من حرارة الشوارع والشاشات وعلى امتداد مددِ الوقتِ وفواصله.

كيف للأزرق ألا يسقطَ في امتحان الالوان؟ أعتذر، فقد يفر الأزرق من لونه أحيانا لينجو، حتّى السّماء لا تشبه ألوانها أحيانا ! ما العمل إذ تجثو جدران الحارة على ركبتيها، ويئنّ الهيكل الملائكي تحت الركام ؟ أسمع نحيب البحر وملحَهُ يقطُرُ دمعاً في حيفا، حيفا كما تعلّمتها منَ العائد إليها. وطن في العينين ما غادرَ دمعَهُ مرَّةً أطراف السحاب.

هنا”غيتو غزة “، ربيع النازية، تزهر فوضاهُ أفران غاز ٍتحرقنا بلؤمٍ وهمجيّة، لا حرفيَّةً يستدعيها الحرق ! تأكل الأخضر واليابس، كما الأجساد الطريه، والنّاشفة. أين تحمل طفلك وتجري ؟ قيل انّ النار تبحث عن النخاع لا العظم،حين يشعلها عشق قديم إسمهُ وطن، وأنّها لظىً لا يستكين، يظل مشتعلا حتى رمقهِ الاخير. من كل الخرائط تشِبُّ ألسنتهُ، أَلأنَّهَا فلسطين من حلم إلى حلم؟ من حياة الى حياة، وماء إلى ماء؟ ونار حنيني ليست كنارِكَ، وطقوس احتراقي لا تشابهُ طُقُوسَ شيطانِكَ، أيّها الهارب من زمن الوحشية ، لما هوَ أوحَش، هتلر جديد يحاكي فظائعَ هتلرِهِ فيه. متفوِّقٌ عليه في فنِّ الشواء! ويؤسِّسُ فرعا جديدا في القتلِ مفتوحا على أجسادِنا، وينبِّهُ العالم، ” لا تزالُ هناك غرف احتياطيّة من افران الغاز نعدّها لهم”. اعذروها ان استعادت اسماءها المدن وعلمتنا أنّ سلالمَ الحرية نصعدُهَا واحِدةً واحِدة من عمقِ نفق!

مقالات ذات صلة