المقالات

العلاقات الأردنية ـ الفلسطينية والكونفدرالية

العلاقات الأردنية ـ الفلسطينية والكونفدرالية

د. أحمد سعيد نوفل

كثر الحديث في الأيام الأخيرة عن الكونفدرالية الأردنية ـــ الفلسطينية، خاصة بعد زيارة الملك عبدالله إلى رام الله واجتماعه مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ومن ثم لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وعلى الرغم من الرفض الشعبي الفلسطيني والأردني للكونفدرالية بالصيغ المعروضة حاليا، لأنها تأتي في سياق مخطط إسرائيلي للقضاء على فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة وعلى قضية اللاجئين، إلا أنه لا بد من البحث في أية صيغة للوحدة والتعاون في المستقبل، من زاوية تطور العلاقات الأردنية ـــ الفلسطينية، والتي تختلف في مكوناتها وأدواتها وظروفها عن العلاقات الأخرى التي تربط عادة بين الدول والشعوب العربية.

فقد ظهر مصطلح العلاقات الأردنية ـ الفلسطينية بعد قيام إسرائيل، نتيجة للتحولات التي حدثت في الشرق الأوسط، وأدت إلى إلغاء الحكم العسكري الأردني في فلسطين بتاريخ 14/3/1949 وحلت محله إدارة مدنية.

وفي الثاني من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من نفس العام، منح الملك عبدالله الأول السلطات التي كانت تتمتع بها الحكومة البريطانية في فلسطين. وفي 6/12/1949، ألغي منصب الحاكم العام العسكري وعين متصرفون في الضفة الغربية من فلسطين، تابعون لوزارة الداخلية الأردنية، ومنح الفلسطينيون الجنسية الأردنية قبل قيام وحدة الضفتين في عام 1950، بعد نجاح التيار الأردني ـــ الفلسطيني الداعي إلى قيام هذه الوحدة . وساعدت تلك الوحدة في إضعاف الكيان الفلسطيني المستقل الذي قادته ودعت إليه الهيئة العربية العليا بزعامة أمين الحسيني، التي جعلت غزة ـ التي كانت تحت الإدارة المصرية ـ مقرا لها . وذابت الهوية الوطنية الفلسطينية في دولة الوحدة بين الضفتين الشرقية والغربية (المملكة الأردنية الهاشمية) حتى عام 1964، عندما عادت من جديد وبقوة بعد قيام منظمة التحرير الفلسطينية.

وبدأ الصدام بين وجهتي نظري متناقضتين، وجهة نظر أردنية، تعتقد بأنها تمثل الشعب الفلسطيني، على أساس وحدة الضفة الغربية الفلسطينية مع الأردن، وحصول الفلسطينيين في الأردن على الجنسية الأردنية وحقوق المواطنة، وبين وجهة نظر منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت تعتقد بأن لها الحق في تمثيل الشعب الفلسطيني أينما وجد، حسب قرارات القمة العربية، بأهمية وجود كيان فلسطيني مستقل يتصدى لإسرائيل ومخططها ضد القضية الفلسطينية، ويمثل الهوية الوطنية الفلسطينية. وظهرت العلاقات الأردنية ـــ الفلسطينية كمظهر من مظاهر الصراع وليس

التعاون في من له الحق بتمثيل الفلسطينيين وقضيتهم وفي عدم ثقة كل طرف بالطرف الآخر. كما برز مصطلح العلاقات بين الطرفين على أثر الأزمة بين حركة المقاومة الفلسطينية والسلطات الأردنية، في سبتمبر/أيلول 1970، التي أدت إلى خروج منظمة التحرير ومؤسساتها من الأردن، مما دفع الأخير إلى طرح مفهوم جديد للعلاقات مع الفلسطينيين في مارس/ آذار 1972 تمثل في مشروع المملكة العربية المتحدة. ولم يكتب للمشروع الأردني النجاح بسبب إصرار منظمة التحرير على وحدانية تمثيلها للشعب الفلسطيني.

وعاد هذا المصطلح للظهور من جديد، أثر خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان في صيف 1982، بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان واضطرار فصائل م. ت. ف الخروج من هناك، حيث نشطت التفاعلات السياسية بين الحكومة الأردنية وقيادة م. ت. ف، خاصة حول موضوع التحركات الدبلوماسية بشأن التوصل إلى تسوية سياسية للنزاع العربي الإسرائيلي، وأدى إلى التوقيع على اتفاق فبراير/شباط عام 1985 بين الأردن و م.ت.ف. ووافق الطرفان على حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني ضمن إطار الاتحاد الكونفدرالي بين الأردن والفلسطينيين .

وسعى كل طرف إلى تحقيق مصلحته على حساب الطرف الآخر . فقد أراد الأردن أن يعود للتحدث من جديد باسم الشعب الفلسطيني ويشارك المنظمة في ذلك، وسعت المنظمة إلى التنسيق مع الأردن بسبب ضعفها بعد الخروج من بيروت عام 1982 .

وبعد تسريب معلومات عن اتصالات أردنية ـ أمريكية بخصوص حل القضية الفلسطينية، خشيت المنظمة أن تكون على حساب تمثيلها للشعب الفلسطيني. كما أن المنظمة أرادت الاستفادة من التنسيق مع الأردن لكي تعبر عن طريق الأردن بوابة الاعتراف الأمريكي بمنظمة التحرير الفلسطينية . وبسبب عدم وجود الثقة بين الطرفين وضغوطات عربية مختلفة، فإن اتفاق فبراير/شباط 1985 لم ينفذ، مما جعل الأردن يتخلى عن ارتباطه القانوني والإداري مع الضفة الغربية في يوليو/ تموز 1988. وأنهى الملك حسين في هذا القرار، 40 عاما من ارتباط الضفة الغربية مع الأردن، إلا أن القرار لم ينه الحساسية بين الأردن والمنظمة في ما يتعلق بمستقبل الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 وبتمثيل الشعب الفلسطيني والهوية الوطنية الفلسطينية.

وأنهى اتفاق أوسلو عام 1993، الخيط الرفيع الذي كان يربط الوفد الفلسطيني بالأردن، الذي عبر عنه بالوفد المشترك والمظلة الأردنية. وخشي الأردن من أن يحقق الكيان الفلسطيني الجديد روابط اقتصادية قوية مع إسرائيل على حساب علاقاته مع الأردن، حيث تقدر العائدات السنوية للأردن من خلال إدخال البضائع الأردنية إلى الضفة الغربية المحتلة بـ10 ملايين دولار في عام 1992، بينما بلغت قيمة الصادرات الإسرائيلية إلى الضفة الغربية وغزة من نفس العام 1104. وازدادت هذه التخوفات فيما بعد خاصة بعد التوقيع على اتفاق اقتصادي إسرائيلي ـ فلسطيني في القاهرة في 29/4/1994. كما خشي الأردن أن تقدم المساعدات الدولية لسلطة الحكم الذاتي مباشرة بعد أن كانت تقدم سابقا عن طريق الأردن، وهو ما حصل بالفعل فيما بعد. مما أثر على الاقتصاد الأردني، خاصة أن تلك المساعدات تعد بمليارات الدولارات. وتأثر الأردن كذلك من جراء التحويلات التي يقوم بها العاملون الفلسطينيون في الخارج، حيث أن قسماً كبيراً منها كان يتحول إلى الأردن ويتم إيداعها في البنوك الأردنية، أما بعد اتفاق الحكم الذاتي فقد تم تحويل الجزء الأكبر منها مباشرة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة .

ولا بد من الإشارة إلا أن نقل القضية الفلسطينية من الأردن، لم تأت نتيجة اتفاق وتفاهم بين الطرفين الفلسطيني والأردني، بل أنها جميعاً أتت في أجواء من التوتر وأزمة كبيرة من الشك وعدم الثقة . فقرار قمة الرباط الذي اعتبره الأردن خطيراً ووافق عليه على مضض، اعتبره الفلسطينيون مكسباً. وقرار فك الارتباط الذي اتخذه الأردن نتيجة للضغوط العربية والانتفاضة الفلسطينية، رحبت به منظمة التحرير الفلسطينية، واعتبرته خطوة على طريق الاستقلالية الفلسطينية. واتفاق أوسلو التي تحفظ عليه الأردنيون ـ على الأقل في أيامه الأولى ـ اعتبره الفلسطينيون إنجازا كبيراً على طريق الدولة الفلسطينية المستقلة. هذا الطابع السلبي للعلاقة الأردنية الفلسطينية الذي واكب أهم ثلاث محطات رئيسية وتاريخية، كان من الممكن أن يسفر عن نتائج أفضل لكلا الطرفين لو أن جواً من التعاون والتفاهم رافق هذه المحطات.

ولهذا فقد شهدت العلاقات الأردنية ـ الفلسطينية طيلة العقود الماضية أزمة ثقة بين الطرفين، وكان سببها الخلاف حول مسألة الهوية الوطنية والكيانية الفلسطينية، وأحقية تمثيل الشعب الفلسطيني، إلا تلك الأسباب تراجعت قليلا في عهد الملك عبدالله الثاني، الذي لم يعد متحمسا لأن يمثل الأردن القضية الفلسطينية.

قضية الكيانية الفلسطينية ومسؤولية تمثيلها الذي أصبح بإقرار الجميع بيد الجانب الفلسطيني، وكان لا بد أن تنتهي التخوفات من قبل الجانبين على هذا الكيان أو ذلك من قبل كلا الطرفين .

وإذا صدقت النوايا وتلاشت الشكوك وحلت بدلا منها الثقة المتبادلة، يمكن البحث في المستقبل، عن صيغ جديدة من الاندماج أو مشاريع الوحدة بين الدولة الأردنية والدولة الفلسطينية المستقلة الفعلية، التي تتمتع بالسيادة الكاملة على مواطنيها وأرضها ومؤسساتها وحدودها الدولية الثابتة، ولكن بشرط أن يكون هذا التعاون بناء على رغبة شعبية حقيقية ومشتركة بين الأردنيين والفلسطينيين، وليس بناء على إملاءات إسرائيلية وخارجية، وأن يكون مبنيا على قاعدة تحقيق المساواة التامة والمواطنة الحقيقية للجميع، وأن يأتي قبل ذلك كما جاء في بيان المبادرة الأردنية لمواطنة متساوية، في ظل أجواء ديمقراطية لدى المؤسسات في الدولتين وأن ‘يؤسسا لنظام ديمقراطي تعددي وبرلماني تراعى فيه حقوق الانسان ودولة المؤسسات، وتتوفر لجميع مواطنيه حرية المشاركة الفعالة في مؤسسات الحكم، واستقلال القضاء وسيادة القانون، والمواطنة على أسس واضحة قائمة على قاعدة المساواة التامة والاختيار الشعبي الطوعي الحر والأجواء الديمقراطية الحقيقية.

القدس العربي، لندن، 4/1/2013

مقالات ذات صلة