المقالات

«اللهو الخفي» قاتل عرفات..!!

«اللهو الخفي» قاتل عرفات..!!

بقلم: عادل أبو هاشم

١١ تشرين الثاني ٢٠١٦

لا يخفى على أي متابع للصراع العربي – «الإسرائيلي» أن قرار الحكومة «الإسرائيلية» بإزاحة الرئيس ياسر عرفات مبدئياً والتهديد بتصفيته جسدياً لاعتقادها أن عرفات الميت أقل خطراً لم يكن وليد مستجد عابر أو مجرد اجتراح ذهني تفتق عنه العقل الصهيوني انطلاقاً من مقدمات نظرية، وإنما جاء كحلقة في سلسلة حلقات لها ما قبلها ولها ما بعدها أيضاً، أي بمعنى آخر أنه كان تتويجاً لتفاعلات وتطورات واكبت هذا القرار وسبقته.. فضلاً عن كونه قد شكل بداية لمسار جديد كانت له تداعياته المختلفة والتي أدت في النهاية إلى دس السم «الإسرائيلي» لعرفات.

لقد تعددت الرؤى «الإسرائيلية» لدور عرفات في انتفاضة الأقصى بين من اعتبر أن الانتفاضة هي نتيجة تخطيط مسبق من قبله في محاولة للضغط على الجانب «الإسرائيلي» بهدف استدراج تنازلات سياسية بغض النظر عن التطورات اللاحقة التي أفلتت المسألة من يده، وبين آخرين اعتبروا أن عرفات ركب موجة الانتفاضة التي انطلقت بقرار شعبي، إلا أنها احتضنت من حيث المبدأ من قبل القيادة السياسية الرسمية في محاولة لتوجيهها سياسياً بما يخدم مشروع السلطة، الأمر الذي يفسر برأي هؤلاء سياق المعارضة العلنية للسلطة لبعض تكتيكات العمل العسكري الذي تمارسه قوى المقاومة.

فبعد فشل خيار حكومة محمود عبّاس (أبو مازن) عام 2003 وجدت الحكومة «الإسرائيلية» بقيادة مجرم الحرب «آرييل شارون» نفسها من جديد في مواجهة الرئيس ياسر عرفات مباشرة دون أن تتحول القوة السياسية والعسكرية التي يتزعمها «شارون» إلى أداة لقمع المقاومة والانتفاضة، إضافة إلى ترسخ في الوعي «الإسرائيلي» مفهوم أن لا خيار أمام «إسرائيل» لإخماد المقاومة بقوتها الذاتية خاصة أنه ظهر مبكراً أن هدف تصفية القيادة السياسية لحركة «حماس» لن يحقق المرجو منه في ظل إصرار الجميع على مواصلة القتال، لهذا قرر «شارون» قتل الرئيس الفلسطيني.

فقد كشفت صحيفة «هآرتس» «الإسرائيلية» تقريراً صادر من كتاب بعنوان «الحرب السابعة» التي يتناول الصراع خلال الخمس سنوات الأخيرة بين «الإسرائيليين» والفلسطينيين للصحفيين «الإسرائيليين» «آفي يششكروف» (صوت إسرائيل)، و«عاموس هرئيل» (هآرتس) الأسباب الكاملة وراء وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في 11/11/2004، ولكنها من قبيل الإثارة وربما من قبيل الإساءة أيضاً لم تستبعد إصابته بمرض الإيدز.

صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية حصلت على التقرير الطبي الفرنسي الذي استندت إليه الصحيفة «الإسرائيلية»، ونفت كلياً فرضية الإصابة بالإيدز مستعينة بتأكيدات خبراء متخصصين في هذه المسألة.

النتائج التي توصلت إليها صحيفة «نيويورك تايمز» هي الأقرب للصحة، لأن صحة الرئيس ياسر عرفات تدهورت فوز تناوله طعام العشاء يوم الثلاثاء 12/10/2004، وبلغت أقصى درجات التدهور بعد نقله إلى مستشفى بيرسي العسكري الفرنسي في 29/10/2004 حيث غاب عن الوعي، أي أن فترة مرضه لم تستغرق إلا ثلاثة أسابيع قضى منها حوالي أربعة أيام وهو في غيبوبة كاملة، وهذا وبإجماع الأطباء دليل يؤكد وفاته مسموماً، فمرضى الإيدز يعيشون سنوات بعد ظهور أعراض المرض عليهم.

«الإسرائيليون» يريدون تشويه صورة ياسر عرفات والإساءة إليه، وإلى تاريخه النضالي العريق، وبالتالي الإساءة إلى كل فلسطيني من خلال تسريب مثل هذه المعلومات المضللة التي لا تستند إلى براهين طبية أو علمية.

«شارون» شعر بعجزه أمام الانتفاضة وتصاعد عمليات المقاومة ووصولها إلى قلب القدس المحتلة و«تل أبيب»، وأدرك أنه «سيجبر» على الانسحاب من قطاع غزة، ولهذا قرر التخلص من الرئيس عرفات قبل الإقدام على هذه الخطوة أحادية الجانب، «شارون» لم يرد لخصمه اللدود أن يحتفل بهذا الانتصار، وأن يرى أول قطعة أرض فلسطينية تحرر بالمقاومة والعمل العسكري الذي أطلق رصاصته الأولى في عام 1965.

على الصعيد نفسه كشفت مصادر «إسرائيلية» النقاب عن رسالة سرية جداً كتبها رئيس الحكومة «الإسرائيلية» الأسبق «إسحاق رابين» إلى وزير خارجيته «شمعون بيريز» قبل ثلاثة أشهر من توقيع اتفاق أوسلو في أيلول من العام 1993 يحذره فيها من استمرار الاتصالات مع جماعة تونس؟!!

وتشير المصادر إلى أن الرسالة السرية كتبها «رابين» في 7/6/1993 وأرسلها إلى وزير الخارجية آنذاك «شمعون بيريز» حول موضوع الاتصالات مع جماعة تونس، وجاء في الرسالة استمراراً لحديثنا حول الموضوع ــ اتصالات أوسلو ــ يوم الأحد 6/6/1993:

«بودي التأكيد على النقاط الأساسية التي ذكرتها سابقاً وهي أن (اتصالات أوسلو) في الوقت الراهن تشكل خطراً على استمرار المفاوضات من أجل السلام.. فهذه الاتصالات تعطي فرصة لجماعة تونس لتجاوز الاتصالات في واشنطن والالتفاف على العناصر الإيجابية فيها التي يمثلها وفد المناطق، كما أن جماعة تونس يشكلون العنصر المتطرف ويحاولون منع المعتدلين من سكان المناطق من التقدم بالمفاوضات معنا، وذلك من خلال منعهم من إجراء اتصالات مع جانبنا.. وهم يهدفون في نهاية الأمر إلى إبقاء خط التفاوض معهم وهذا سيشكل خطراً على مفاوضاتنا مع سورية ولبنان والأردن».

وحسب المصادر ذاتها فإن «بيريز» وخلال أيام من ذلك أقنع رئيس الوزراء «رابين» باستمرار الاتصالات مع جماعة تونس.

ويأتي الكشف عن جزء مضمون هذه الرسالة في إطار الحملة الشرسة التي شنتها الحكومة «الإسرائيلية» ضد الرئيس عرفات في محاولة للإشارة إلى أنه ليس فقط جزءاً من المشكلة، وإنما السبب الرئيسي وراء مصرع أكثر من ألف «إسرائيلي» منذ التوقيع على اتفاق أوسلو.

وفي السياق نفسه كشفت المصادر «الإسرائيلية» على أن الرئيس ياسر عرفات كان يمتلك الكثير من الأموال التي استخدمها في دفع نفقات أجهزة الأمن التي يسيطر عليها وشراء الأسلحة والذخائر.. وأضافت المصادر أن رئيس جهاز «الشاباك» «آفي ديختر» قال خلال اجتماع عقده المجلس الوزاري المصغر والذي اتخذ قراراً مبدئياً بطرد الرئيس عرفات أن الأموال ما زالت تتدفق على رئيس السلطة، وأن ميزانيته السنوية تصل إلى مائة مليون دولار يستغلها في دفع نفقات أجهزة الأمن الخاضعة له، وإلى تمويل نشاطات «فتح» وكتائب الأقصى، وشراء الأسلحة والذخائر، وأن محاولة وزير المالية سلام فيّاض خلال الفترات الماضية إجراء إصلاحات في الجانب المالي وضمان عدم وصول الأموال إلى جهات «إرهابية» لم تتكلل بالنجاح، حيث ما يزال الآلاف من الموظفين العسكريين يستلمون رواتبهم مباشرة من الرئاسة.

السؤال المطروح الآن هو ليس ما إذا كان الرئيس ياسر عرفات مات مسموماً أم لا خاصة بعد أن سربت الحكومة «الإسرائيلية» أنباء كثيرة عن عزمها قتله، وقالت أنه لن يكمل عام 2004، وكانت قد وضعته تحت الإقامة الجبرية في مكتبه في المقاطعة بمدينة رام الله لأكثر من ثلاث سنوات، وبعد نشر نتائج تحاليل الطب الشرعي في سويسرا، والتي أشارت إلى أن الزعيم الفلسطيني مات مسموماً بالبولونيوم المشع في عام 2004..؟!

وإنما السؤال والذي سوف يتردد في 11/11 من كل عام وحتى قيام الساعة:

من الذي دس إليه السم؟! وكيف؟!

وهل هناك أشخاص في مبنى المقاطعة برام الله من المحيطين بعرفات قد تعاون مع «الإسرائيليين» في هذه الجريمة؟!

ومن هو «اللهو الخفي» أو «عفريت العلبة» الذي يلوح به محمود عبّاس تارة، وتارة أخرى توفيق الطيراوي لتخويفنا كما كانوا يخيفون الأطفال بـ «أمنا الغولة» والذي دس السم لعرفات..؟!!

في كلمته خلال المهرجان المركزي لإحياء الذكرى الـ 12 لاستشهاد الرئيس ياسر عرفات في مدينة رام الله قال عبّاس:

«سنظل وراء قتلة عرفات حتى نعرف من هم، وأنا شخصياً أعرف ولكن لا تكفي شهادتي، والجميع سيندهش من معرفة الحقيقة»..!!

(في حملات الردح المتبادلة في الحرب المخجلة المستعرة بين رئيس السلطة محمود عبّاس وقائد الأمن الوقائي السابق في قطاع غزة محمد دحلان اتهم عبّاس في دورة المجلس الثوري الثالثة عشر يوم الاثنين 10/3/ 2014 دحلان بالمشاركة في اغتيال الرمز ياسر عرفات، وفي قتل كل من صلاح شحادة وأسعـد الصـفـطـاوي ومحمد أبو شعبان وخليل الزبن وهشام مكي ونعيم ابو سيف وخالد شحدة)..!!

في رده على عبّاس كشف دحلان أن حارساً شخصياً للرئيس الراحل ياسر عرفات كان متهماً رئيسياً بقضية اغتياله، وقد اعتقل وخضع للتحقيق، لكن الرئيس عبّاس أفرج عنه وقام بتهريبه للخارج..!!

وأضاف: أن طبيباً فلسطينياً كان يتردد على عرفات قتل برام الله..!!

وقال: «ليست إسرائيل من قتلته، اسأل عبّاس من قتله؟!».

الأمر المؤكد أن هناك من باع الرئيس ياسر عرفات من أفراد طاقمه إلى العدو «الإسرائيلي»، وربما هم من أعلى مرتبة من «فئران السفينة الفلسطينية» الذين حذرنا منهم مراراً في السابق من اللصوص والقتلة وأباطرة الفساد الذين يمارسون بغاء الفعل والقول، والوصوليين والمنتفعين الذين جعلوا من الوطن بقرة حلوب..!!

وليت الأمر توقف عند هؤلاء على تصفية قائدهم ورمزهم، بل غطوا على الجريمة بتبرئة العدو الصهيوني من هذه التهمة المثبتة عليه خدمة لتوجهات سياسية مريبة، وتشويه لصورة البعض لإبعادهم عن المشهد السياسي قبل رحيل محمود عبّاس..!!

١١ تشرين الثاني ٢٠١٦

مقالات ذات صلة