المقالات

خطأ “الإخوان” القاتل: مصر ليست غزة

خطأ “الإخوان” القاتل: مصر ليست غزة

أشرف العجرمي

تتسارع الأحداث في مصر بعد إقالة الرئيس محمد مرسي وإعلان حركة “الإخوان المسلمين” الحرب على الجيش والمؤسسات وغالبية الشعب المصري بقرار مباشر من قيادات الحركة وفي مقدمتهم المرشد العام محمد بديع الذي أعلن الحرب من ميدان رابعة العدوية هو وبعض القيادات الأخوانية الأخرى مثل محمد البلتاجي الذي يعترف بطريقة غير مباشرة بوقوف “الإخوان” خلف العمليات الإرهابية التي تنفذ ضد الجيش وقوات الأمن في سيناء، حيث طالب بإعادة مرسي للرئاسة كشرط لوقف العمليات في سيناء.وكان التصعيد الدموي مقابل الجيش باستهداف الحرس الجمهوري الذي تمت مهاجمته وإطلاق النار عليه، وإطلاق النار على المتظاهرين من الخلف حسب فحص جثث القتلى الذين بلغ عددهم 51 في هذه المواجهات، وبلغت الأمور حداً إلى مستوى الاعتداء على الكنائس ورجال الدين ، ووضع قنبلة كانت معدة للتفجير تحت كوبري(جسر) الجامعة في قلب القاهرة. ومن الواضح أن الأمور لن تهدأ بسهولة في ظل هذا التصعيد الدموي والإرهاب الذي يعود بنا إلى التاريخ الطويل لحركة “الإخوان” في ممارسة العنف وهم الذين ادخلوا الاغتيالات والتفجيرات في مصر منذ ما قبل ثورة العام 1952، بما في ذلك محاولة اغتيال الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.

وتحاول حركة”الإخوان المسلمين” تكرار تجربة “حماس” في قطاع غزة، وهم استخدموا نفس أساليب الإرهاب التي استعملتها “حماس” ضد المواطنين في قطاع غزة لإخافتهم والسيطرة عليهم بما في ذلك إلقاء الناس من على أسطح المنازل. غير أنها في اعتمادها على نصائح قادة “حماس” ومستشاريهم وعلى خبرتهم القمعية العملية لا تميز بين الواقع المصري والواقع ألغزي قبل الانقلاب الحمساوي، ففي مصر يدور الحديث عن ثورة شعبية لا مثيل لها في العالم أدت إلى تغيير نظام “الإخوان” الذي لو اتيحت الفرصة لهم للتحكم في مقدرات مصر لكانت خسارة مصر لا تقدر ولكانت الكارثة الكبرى في التاريخ المصري.وإذا كان الوضع في غزة محكوماً بفوضى السلاح وباتهامات للسلطة الفلسطينية بالفساد والتنازل، وبتفكك وتهلهل الأجهزة الأمنية التي كانت تعاني من قطع الرواتب، وفي ظل رأي عام منقسم وغير ناضج لتقدير أبعاد ما تفعل “حماس” التي لم تفهم مغزى الانتصار في الانتخابات والحصول على الأغلبية في المجلس التشريعي الفلسطيني، والتي رأت في فوزها رخصة في القضاء على الواقع القائم قبلها وتغييره بالكامل وإقصاء الآخرين من مواقع التأثير والقرار، فالوضع في مصر مختلف كلياً ليس فقط بحركة الشعب الواسعة الأكبر في التاريخ المعاصر ، بل كذلك بوجود الجيش المصري الوطني الموحد والذي يشكل صمام الأمان لدولة مصر وشعبها، وهذا الجيش مع قوات الأمن الأخرى منسجمون تماماً أهداف ثورة الشعب التي تريد التغيير نحو الأفضل في ميدان تعزيز الديمقراطية والحرية في مصر وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ولا طموح للجيش في تولي السلطة أو تحقيق مكاسب سياسية لقادته.

هذا الانسجام بين الجيش وبين الشعب يجعل من أهداف “الإخوان” في العودة إلى السلطة عبر الإرهاب والتخويف وممارسة العنف ضرباً من المستحيل مع عدم إنكار قدرتهم في التخريب والعبث الذي ينعكس على استقرار البلاد وأمنها. ولعل ما حصل ضد الحرس الجمهوري وفي سيناء مؤشر على ما يفكر به قادة “الإخوان”، ولكنه في المقابل سلاح ذو حدين. ففي هذا العصر الذي تلعب فيه وسائل الإعلام وأجهزة الاتصال بمختلف أشكالها بما فيها أجهزة التليفون المحمولة دوراً مهماً في كشف الحقائق ونقلها مباشرة إلى الجمهور لم يعد بإمكان أي جهة أن تخبئ وجهها الحقيقي خلف شعارات أو أزياء أو مناورات،وما حدث مع الأشخاص الذي قاموا بإلقاء شبان من فوق احدي البنايات والذين تم القبض عليهم بعد نشر صورهم، وكذا ما حصل مع محاولة اتهام الجيش بقتل متظاهر عندما قام أحد الأشخاص بإطلاق النار على هذا المتظاهر الذي يؤيد “الإخوان” وتصويره وهو ينقل سلاحه إلى شخص آخر بعد تنفيذ فعلته. و هكذا سرعت أحداث التصعيد إجراءات السلطة الانتقالية التي يمثلها الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور للانتقال إلى وضع الاستقرار بتشكيل مؤسسات الدولة،فكان الإعلان الدستوري الجديد الذي نشر أول من أمس والذي يؤكد على مضامين وأهداف الثورة كمنطلقات للعمل، وأيضاً يتضمن إجراءات محددة بتواريخ لأجراء تعديل على الدستور المعطل الذي صاغته جماعة “الإخوان” وحلفائها خلافاً لرغبة الغالبية من قوى الشعب. وأجراء الانتخابات البرلمانية وبعدها الانتخابات الرئاسة قبل نهاية هذا العام.

وأهم ما ينص عليه الإعلان الدستوري هو مشاركة قوى الشعب وكفاءاته بتعدديتها السياسية والفكرية والدينية والمهنية في إعادة صياغة الدستور ، وخاصة في اللجنة التي سيعرض عليها ما يتم صياغته من تعديلات يقوم بها الخبراء في مجال القضاء والقانون والمشكلة من 50 عضواً يمثلون المجتمع المصري بكل تلاوينه. وهذا عملياً يساهم في خلق أوسع إجماع شعبي على الخطوات القادمة التي تؤمن انتقال سريع للسلطة لمؤسسات منتخبة تعبر عن إرادة الشعب وعن أهدافه وطموحاته في حياة أفضل.ولعل النجاح في تكليف رئيس جديد للحكومة هو د.حازم الببلاوي خطوة على هذا الطريق الصحيح.

“الإخوان” خسروا معركة الرأي العام في مصر وانكشفوا بسرعة لأوسع قطاعات الشعب بأنهم لا يملكون مشروعاً نهضوياً أو تنموياً يقوم على الديمقراطية ويطلق العنان لطاقات الشعب في عملية بناء وتطوير للواقع. وبأنه لا يهمهم سوى التمكن من السلطة وخدمة الجماعة على حساب الشعب تماماً كما تفعل “حماس” في غزة، وهي التي وقعت في أخطاء جسيمة بتدخلها السافر والمفضوح بمجرى الأحداث هناك منذ عهد الرئيس مبارك وحتى الآن باعتراف أشخاص تم القبض عليهم ومعلومات لدى الأجهزة الأمنية المصرية وباعتراف قادة من “حماس” ينتقدون هذا التدخل ويحذرون من عواقبه. وخسارة “الإخوان” الفادحة ستقود على خسارة ليس أقل لحركة”حماس” على كل المستويات وليس هناك من مخرج سوى العودة لحضن الشرعية وإنهاء حالة الانقسام وعودة الوحدة الوطنية بكل صورها وإشكالها.

الأيام، رام الله، 10/7/2013

مقالات ذات صلة