المقالات

غزة تعزل “إسرائيل” دبلوماسياً

غزة تعزل “إسرائيل” دبلوماسياً

شيري بسي

اعتذار رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، لتركيا بعد وساطة الرئيس الأميركي، براك اوباما، ينطوي على إمكانية تحسين العلاقات بين اسرائيل وتركيا والعلاقات القريبة مع الولايات المتحدة نفسها بعد سنوات من الخلافات في الرأي على السياسة الاسرائيلية تجاه الفلسطينيين. هذه خطوة اخرى ومهمة في الطريق الى تقليص أضرار القيود على الحركة المدنية الى قطاع غزة ومنه، التي فرضت في أعقاب سيطرة “حماس” على غزة في العام 2007. وساعدت سياسة الاغلاق “حماس” في تثبيت حكمها (وذلك لأنها جعلت سكان القطاع أكثر فقرا وأكثر تعلقا بالوظائف والمساعدات الحكومية)، وساهمت في عزلة اسرائيل الدولية، وبالطبع، في الصدع مع تركيا. ولكن القدرة على استخلاص المنفعة الحقيقية من الانجاز الدبلوماسي الحالي منوط باستعداد إسرائيل لمواصلة سياسة التسهيلات في الاغلاق، الذي غذّا التوترات مع أنقرة منذ البداية.

منذ حادثة الأسطول أزالت إسرائيل معظم القيود عن دخول البضائع الى غزة، وسمحت بكميات صغيرة من التصدير الى الخارج، وزادت بقدر ما عدد التصاريح التي تصدرها للتنقل بين غزة والضفة. مصر، من جهتها، فتحت حدودها مع غزة لسفر الأشخاص الى الخارج، وهي الخطوة الحيوية لان إسرائيل لا تسمح بتشغيل الميناء البحري او المطار في القطاع. ونوضح هنا مع ذلك بأن إسرائيل تواصل فرض الحظر على خروج البضائع المتجهة إلى إسرائيل والى الضفة الغربية، وتقيد الحركة بين غزة والضفة “بالحالات الانسانية الاستثنائية”. حظر حركة الطلاب من غزة الى الجامعات في الضفة يمس على نحو خاص بالنساء الشابات، مثلما تفعل ايضا القيود على اخراج الاشغال اليدوية وخروج النساء صاحبات الأعمال التجارية.

وبعد التصعيد في نهاية العام الماضي ايضا (حملة عامود السحاب)، استمر ميل التسهيل في قيود الحركة. في أعقاب اتفاق وقف النار اتسعت قدرة وصول المزارعين إلى أراضيهم المحاذية بالحدود مع اسرائيل، بل وسمحت اسرائيل للصيادين بالابحار الى مسافة حتى ستة أميال عن شواطئ قطاع غزة. شدد نتنياهو أمام رئيس وزراء تركيا، رجب طيب اردوغان، على أن اسرائيل رفعت العديد من القيود عن دخول البضائع الى القطاع، بل وادعى اردوغان بعد ذلك بأنه وعد بتسهيلات إضافية. لا يوجد لهذا القول التركي تأكيد إسرائيلي، ولكن ناطقين اسرائيليين لوحوا بالتسهيلات التي أعطيت، وشددوا على أن قيود الحركة لن تكون الا فقط من أجل حماية أمن مواطني إسرائيل.

وعليه فان رد اسرائيل على نار الصواريخ من قطاع غزة في الاسابيع الاخيرة مشوش جدا. ففي يوم الاحد الماضي، وكذا قبل نحو اسبوعين خلال زيارة الرئيس الأميركي، اطلق مسلحون من قطاع غزة صواريخ نحو بلدات إسرائيلية، في ظل خرق محظورات القانون الدولي باطلاق النار بلا تمييز نحو المدنيين. وردا على ذلك أغلقت اسرائيل معبر البضائع الى القطاع، وفرضت قيودا جديدة على حركة الفلسطينيين الى اسرائيل والى الضفة، وقلصت مرة اخرى منطقة شواطئ غزة التي يسمح بالصيد فيها.

كانت هذه هي المرة الثالثة في غضون اقل من شهر، والتي ترد فيها اسرائيل علنا على نار الصواريخ من جانب مسلحين من خلال منع حركة المواطنين من سكان غزة. وهكذا تكون الحكومة تبنت سياسة شجبتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر في العام 2007 بصفتها عقابا جماعيا غير قانوني، وانتقدتها تركيا وحلفاؤها الغربيون بصفتها غير انسانية وغير ناجعة. القيود المتجددة على حركة المواطنين تطرح ايضا اسئلة على جهات أمنية اسرائيلية رحبت بالنهج الاكثر تسامحا بصفتها مجدية لاسرائيل؛ منذ 2010 اعلن موظفون كبار في وزارة الدفاع المرة تلو الاخرى بأن النشاط الاقتصادي في غزة يحقق الاستقرار ويضعف قوة المسلحين وحكم “حماس” في القطاع. وفي الشهر الماضي فقط اشار الناطق بلسان منسق اعمال الحكومة في “المناطق”، اللواء ايتان دانغوت، إلى ان الخطوات التي اتخذت لتوسيع حجم البضائع التي تدخل الى القطاع “تزيد المداخيل لصندوق السلطة الفلسطينية من خلال جباية اموال الجمارك والضرائب الاخرى”، مقابل البضائع التي تصل عبر الانفاق، والتي يفرض حكم “حماس” الضريبة عليها. وأشار نتنياهو نفسه في العام 2010 إلى ان العقوبات ضد السكان المدنيين في غزة شككت بـ “التفوق الاخلاقي” لإسرائيل.

لا حاجة لاسرائيل لان تغلق المعابر الى القطاع كي تري الفلسطينيين من سكان غزة أنها قادرة على جباية الثمن بسبب الصواريخ ضد المدنيين الاسرائيليين والتي ادينت كما ينبغي بصفتها جريمة حرب. لا شك في التفوق العسكري الاسرائيلي، وبسيطرتها المطلقة في المجال الجوي وفي المياه الاقليمية لغزة، وكذا في المعابر الى الضفة الغربية. ولكن سنوات من الاغلاق أظهرت بأن حبس المدنيين في غزة تحبس بالتوازي إسرائيل في دائرة من العزلة الدبلوماسية. هذه العزلة تقلص خيارات العمل السياسي لديها، تجاه قطاع غزة أيضا. زيارة اوباما والمؤشرات الاولية للمصالحة مع تركيا تقترح سبيلا آخر، مليئا بعدم اليقين ولكن ايضا بضمان الدعم من جانب حلفاء استراتيجيين، استنادا الى فتح صفحة جديدة في علاقات اسرائيل تجاه الفلسطينيين. حكومة اسرائيل حديثة العهد ستعمل بحكمة إذا ما اختارت هذا السبيل.

“هآرتس”، 10/4/2013

الأيام، رام الله، 11/4/2013

مقالات ذات صلة