المقالات

الانقسام والمال وسلطة رام الله

الانقسام والمال وسلطة رام الله

بقلم رائف حسين

يكاد ان لا يمر يوم دون ان يؤكد لنا وبحرارة احد رجال السلطة في رام الله ما اصبح يعرفه كل طفل فلسطيني أينما تواجد : الصناديق فارغة والسلطة مفلسة ماديا والديون تشد على الخناق والضغط يزداد يوما بعد يوم. ويرسمون لنا سيناريوهات جهنمية تخيف عنتر بن شداد لردع الموظفين والمعلمين والأطباء في المستشفيات من المطالبة بأجورهم ولاسكات الشعب الذي انكسرت شوكته تحت الغلاء الفاحش واصبح الهم الوحيد للإنسان الفلسطيني العادي إطعام أطفاله ليس الا!

أحدا من هؤلاء السادة لا يصرح لنا بإسهاب ولا حتى باقتضاب ووضوح لماذا وصلنا الى هذا الوضع المزري! وان اجبروا لحظةً على التصريح يكاد جميع السادة ان يتفقوا بالاكتفاء بالإشارة للاحتلال وأفعاله وعدم وفاء الدول المانحة بوعودها! أحدا منهم لا يجرئ على الاشارة الى السياسة الاقتصادية للسلطة الشبه معدومة منذ عشرين عام ونيف ! لا احد يتجرئ على ذكر الفساد وما وصلت اليه لجان التحقيق البرلمانية بالعبث من قبل المسؤولين بالمال العام. احد منهم لا يتجرئ على اطلاع الشعب على عدد الوظائف المنتجة التي خلقتها السلطة منذ تأسيسها.

لا احد من هؤلاء البباغات السياسية يملك الجرئه ليقول لنا لماذا حولونا من شعب بكرامه صلبه كحجر الخليل الى شحاذين!

لا اريد الان ان انوه الى التبذير الفاحش الموجود في السلطة من فيلات وسيارات وتوظيفات المحسوبية العائلية والفصائلية دون جدوى لها ولا الى مدراء القهوه والتيترس ومشاريع اقتصادية عبثية تولد اصلا ميتة وحكومات ضخمة بعدد وزراء خيالي تعجز الهند بمليار مواطن من تحملها وأجهزة امن غريبة عجيبة معججة بالسلاح والمال لإرهاب المواطن وتعذيبه .. هذا كله ليس موضوعي الان. لا اريد بهذه المقالة المتواضعة ان اثقل عليكم بمصطلحات علمية لا يفهمها الا قلة من الخبراء. انا اكتب لابناء شعبي كلهم وما يهمني اللان هو الانقسام والمال! ما يهمني هو امر يراه ويتابعه كل فلسطيني في قطاع غزه وكل من زار القطاع. اود ان اسلط النظر على موضوع تم تناسيه قصدا. موضوع هؤلاء الآلاف من الموظفين المجبرين على التقاعد والبقاء في البيوت منذ ستة سنوات.

بعد الانقلاب أوعزت السلطة الفلسطينية في رام الله الى جميع موظفيها, خبراء, مدراء, اخصائيون, معلمين وموظفون عاديون, بعدم العمل تحت سلطة حماس ومقاطعة الاخيرة كليا. ووعدت السلطة هؤلاء الموظفين المقدر عددهم ب ٤٠٠٠٠ -٦٠٠٠٠ موظف، بان تستمر بدفع رواتبهم كما كان الوضع عليه قبل الانقلاب. وما زالت السلطة في رام الله توفي بوعدها منذ ستة سنوات دون انقطاع. نعم السلطة تتدفع معاشات للموظفين وهم في البيت. وان انطلقنا من معاش متواضع لكل موظف بمقدار ١٥٠٠ $ يتضمن كل الإنفاقات لتوصلنا الى مصاريف سنوية للسلطة بمقدار ٧٢٠ مليون دولار. لتسهيل الامر وعدم التهويل اخذت في حساباتي الحد الادنى من الموظفيين.

مئات الملايين تبعثر لا لشيء الا لان فتح تريد مقارعة ومحاربة حماس بأموال الشعب الفلسطيني. وان صدقنا آلاخوة في السلطة برام الله بان ديون فلسطين تتراوح ٤،٥ مليار دولار فيكون بنهاية الامر ثلثي هذا المبلغ صرف في السنوات الستة الماضية جراء الانقسام الإجرامي الذي ثبتته كل من حماس وفتح في تاريخ الشعب الفلسطيني والحركتان تتحملان المسؤولية المباشرة عن هذا الوضع المزري. ومن يتصرف وكأن الشأن العام والمال العام حكرا عليه فهو بعيد عن الديمقراطية بعد الارض عن الشمس ولا حق له الا ان ينصرف ويترك الشعب لوحده لتمضيض جروح الماضي وترتيب المستقبل.

* مدير معهد الدراسات الاستراتيجية للشرق الاوسط – هانوفر/ المانيا

مقالات ذات صلة