المقالات

جولة أوباما… وعملية السلام

جولة أوباما… وعملية السلام

جيمس زغبي

منذ أسابيع قليلة، افترضت أن التركيز الرئيسي لرحلة أوباما المقبلة إلى الشرق الأوسط، لن يكون موضوع السلام الإسرائيلي- الفلسطيني. وما حدث هو أنني، واستناداً على مؤشرات مستمدة من رحلة وزير الخارجية «جون كيرى» التي انتهت مؤخراً، وعلى الطريقة التي كان البيت الأبيض يقلل من شأن التوقعات المتعلقة بتحقيق أي تقدم في مسألة إعادة استئناف المحادثات الإسرائيلية الفلسطينية، ظننت في ذلك الوقت أن الرئيس سيركز في رحلته -إلى حد كبير- على التحديات التي يمثلها البرنامج النووي الإيراني، وعلى الأزمتين السياسية والإنسانية الناتجتين عن الصراع الذي يزداد تفاقماً باستمرار في سوريا.

ولكن بعد اجتماع مدته ساعة مع أوباما، وفريقه للأمن القومي، متبوعاً بعد ذلك بأيام قليلة بإيجاز صحفي مفصل عن خط سير رحلة الرئيس، قدمه نائب مستشاره للأمن القومي، أدركت بوضوح أنني كنت مخطئاً فيما كنت أظن.

ففي بداية هذا الأسبوع، كنت جزءاً من مجموعة من القيادات العربية الأميركية التي التقت أوباما وكبار مستشاريه لمناقشة زيارته المزمعة لإسرائيل، وفلسطين، والأردن.

وعقب تلك المناقشة، أصدر البيت الأبيض بياناً كان من ضمن ما قاله فيه إن الرئيس «يدرك أن الرحلة تمثل فرصة بالنسبة له كي يظهر مدى التزام الولايات المتحدة بدعم الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة؛ والتزامه بالشراكة مع السلطة الفلسطينية، وهي تواصل بناء المؤسسات التي ستكون ضرورية لبناء دولة فلسطينية مستقلة حقاً».

وكانت مناقشتنا مع الرئيس مفيدة على عدة مستويات، وخصوصاً ذلك المتعلق باهتمامه بسماع أفكارنا حول الكيفية التي يمكن بها جعل الزيارة مثمرة، وذات معنى، قدر الإمكان. وقد قمنا بدورنا بتقديم حزمة من الاقتراحات تشمل الحاجة للتواصل مباشرة مع الشعب الفلسطيني: أي بمجتمع الأعمال الذي يكافح من أجل توفير وظائف؛ والشباب المحتاج للأمل، والمسيحيين القلقين على مستقبلهم في الأراضي المقدسة، والنساء الساعيات للتمكين، وأولئك الملتزمين بالنهج غير العنيف في تحدي الاحتلال.

وأكدنا على نقطة أن الرئيس مثلما ينوي في إسرائيل الحديث مباشرة لأفراد الشعب الإسرائيلي موضحاً لهم أنه يفهم تاريخهم، والتزامه بأمنهم، فإنه سيكون من الأهمية بمكان أيضاً أن يعمل على خلق الفرص لتوجيه ملاحظاته للفلسطينيين العاديين. والشيء الذي وجدناه واعداً في هذا السياق هو ذلك البيان الذي صدر عقب الاجتماع من قبل البيت الأبيض، واحتوى على تفاصيل الجدول النهائي للرحلة.

وكما تم التوضيح في مناسبات عديدة من قبل مسؤولي إدارة أوباما، فإن الرئيس لن يستخدم زيارته لتقديم خطة تتعلق باستئناف المفاوضات مباشرة، وهو ما يرجع لعدم توافر الشروط اللازمة لتقديم مبادرة صنع سلام مثمرة. فالحكومة الإسرائيلية المشكلة حديثاً تميل بشكل مبالغ فيه لليمين، كما أن البيت الفلسطيني ما زال في حالة من الاضطراب، بسبب استمرار تعثر ملف التسوية بين «فتح» و«حماس».

وبناء على ذلك، فإن أفضل ما يمكن للرئيس القيام به في المدى القريب، هو محاولة الحديث مباشرة للشعبين مع العمل على تأكيد تعهداته لهما، بمستقبل سلمي، في إطار جهد لتغيير الخطاب السائد في المجتمعين سوياً، بعيداً عن الارتياب المتبادل والآراء المتطرفة التي جعلت التقدم نحو السلام مسألة غاية في الصعوبة.

وإذا ما نظرنا إلى الزيارة من هذا المنظور، فإننا سندرك أن كل جانب من جوانبها، سيتضمن رسائل موجهة للشعبين الإسرائيلي والفلسطيني. ومن أجل توصيل تلك الرسائل، فإنه سيكون بحاجة إلى اكتساب ثقتهما معاً، وإظهار أنه يفهم تاريخهما، وحقائق واقعهما الحالي، كما سيكون بحاجة أيضاً للانخراط مع قيادتيهما.

ولا شك أن أوباما سيناقش كذلك موضوعي إيران و«الربيع العربي» في كل من إسرائيل والأردن. وأثناء وجوده في الأردن، سيكون راغباً حتماً في دعم التغييرات التي تتم حالياً في ذلك البلد، وتشجيعه على المضي قدماً في طريق التجديد، كما سيركز على تأثير الأزمة الإنسانية السورية التي شهدت تدفق مئات الآلاف من اللاجئين السوريين على الأردن وهو ما يمثل اختباراً جدياً لموارده.

ومن التداعيات الأخرى للحرب في سوريا، والاضطراب الذي ساد الشرق الأوسط خلال العقد الأخير ذلك الخاص بالانكشاف المتزايد لمسيحيي المنطقة. وفي بادرة مفاجئة، أضاف البيت الأبيض بنداً إضافياً يشمل التوقف في مدينة بيت لحم بين زيارة الرئيس لإسرائيل، وزيارته للأردن.

وفي تلك المدينة العتيقة سيزور الرئيس كنيسة المهد، حيث سيتاح له التأمل في موضوع الوجود المسيحي على امتداد ألفي سنة ليس في هذه المدينة المقدسة فحسب، وإنما أيضاً في دول أخرى مثل مصر، ولبنان، وسوريا، والأردن، والعراق.

ومن المهم ملاحظة أن فريق أوباما أثناء زيارته لبيت لحم، سيكون قادراً على أن يرى بشكل مباشر تأثير الاحتلال على معالم الحياة اليومية للفلسطينيين ومن أهمها الجدار العازل الذي يبلغ ارتفاعه 30 قدماً، والذي يلتف حول المدينة الصغيرة ويفصلها عن القدس، ومستوطنة «هارهوما».

وفي حين يشير الإسرائيليون إلى تلك المستوطنة على أنها من أحياء القدس، إلا أن الحقيقة هي أنها مبنية على أرض مقتطعة إلى حد كبير من بيت لحم. ومما سيتم تذكره أثناء الزيارة، أن الرئيس الأسبق بيل كلينتون أثناء زيارته للأراضي المقدسة في أواخر تسعينيات القرن الماضي، رفض بقوة خطط نتنياهو الذي كان رئيساً للوزراء في ذلك الوقت، لبناء مستوطنة «هارهوما» على تل أخضر من تلال جبل أبوغنيم. وفي ذلك الوقت تحدى نتنياهو الولايات المتحدة، ومضى قدماً في تنفيذ خططه.

وفي الوقت الراهن اختفت المساحة الخضراء، وحلت محلها مستوطنة تضم 15 ألف إسرائيلي (مع خطط توسع لتوطين عدة آلاف إضافيين) وهذه المستوطنة مثلها في ذلك مثل الجدار العازل تفصل بيت لحم عن القدس.

وستكون هذه الزيارة هي الزيارة الأولى في فترة ولاية أوباما الثانية. وفي حين أنه لن يطرح خطة سلام فإن كافة المؤشرات تدل على أنه سيظل ملتزماً بالسلام الإسرائيلي الفلسطيني. وهذه الزيارة مصممة كي تكون بداية لعملية تواصل مع الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني (ومع اليهود الأميركيين والعرب الأميركيين) في محاولة لكسب دعم جديد لجهود صنع السلام التي ستلي ذلك.

الاتحاد، أبو ظبي، 17/3/2013

مقالات ذات صلة