المقالات

حادثة جورج فلويد قراءة ثانية من يقتل من؟

بقلم: الدكتور نزار محمود

تعيش الكائنات الحية طفرات جينية تنقلها من حالة نوعية إلى أخرى، وهي طفرات تحتاج إلى كثير من السنوات والأعوام، بل إلى مئات، وربما آلاف من تلك السنين والأعوام، إذا ما سارت دون ظروف تعجيلية أو قاهرة. هكذا يفهمها البعض.

وتشابهها في ذلك حالات التطور الإنساني في علاقاته وتركيب مجتمعاته وقيمه وأخلاقياته، ولو على فترات أقصر .

ولم يكن الإنسان في مجتمعاته ملكاً على الدوام، ولم يكن ليسمح له القدر أن يبقى شيطاناً على الدوام.

إنها قصة صراع الإنسان مع أخيه الإنسان منذ رواية قتل قابيل لأخيه هابيل.

هاجر الملايين من البيض من دول أوروبية مختلفة إلى أمريكا بحثاً عن العيش والثروة، يدفعهم حب المغامرة وجبروت القوة ونشوة التحدي. يحملون، في الغالب، الصلبان على صدروهم، ويصطحبهم قسان، لكنهم قست قلوبهم وركب عقولهم جشع الثروة والمال. أبادوا من كان صاحب الأرض والدار، وتناحروا بينهم ولم يسلم من بطشهم إنس ولا جان!

تشكلت في نفوسهم عقدة الفوز والغلبة وكما يسمونه أنفسهم، بأنهم الشعب: نمبر وان!! أي الشعب رقم واحد. وفي كلمة تسنمه رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية وعد ترامب، الجرافة الشقراء ذو رغبة التفوق، وبكل العنجهية والغطرسة الهمجية، أنه جاء ليعيد لأمريكا رقمها الأول ويحافظ عليه! هذا الوعد وما قام عليه من سياسات وخطوات وإجراءات وأحداث، أيقظت في نفوس البيض عنصريتهم بصمت وعلن، رغم أنها لم تكن قد ماتت أو حتى سكنت، وغازلت هموم السود في لا مساواة ولا عدالة ولا إنسانية متساوية، لا بل وقادت إلى كآبة تدفع إلى خنوع تارة، وإلى تمردات تارة أخرى.

إن من يتذكر كيف “احتقر” ترامب سلفه الأسود “أوباما” في معرض كلمته، وهو يجلس بين صفوف مهنئيه، وما أمر بالغائه من قوانين كانت حكومة “السود” قد أقرتها من تأمين ورعاية صحية يستفاد منها السود كذلك.

لا زلت أذكر كيف دفعت العنصرية الدفينة بعض وسائل الإعلام ، البيضاء، للاستهزاء بزوجة أوباما السوداء، كون أن عضلات جسمها شبيهة بتلك التي هي للذكر دون الأنثى!!

لم يكن لأوباما ” الأسود” وهو يؤدي دور المهرج في سيرك يملكه البيض، وتحكمه قوانين رأس المال الأسود من شدة شقاره، إلا أن ينصاع لرغباتهم مدفوعاً ومحكوماً بما يعيشه في داخله من عقد سواده النفسية والاجتماعية والسياسية.

إن ما حدث من أمر قتل شرطي أبيض لمواطن أسود، وبدوافع العنصرية، إنما حصل على أيام “أوباما” كذلك ولم تكن الضحية لتتمكن من إنقاذ نفسها وهي تصيح: لا أستطيع التنفس! نعم إنهم لا يستطيعون التنفس كغيرهم من البشر.

وهكذا عاد إلى الواجهة مارتن لوثر كينغ، وصرخته المدوية: لدي حلم!! وصورة نيلسون مانديلا، وهو يقبع لمدة تزيد عن ٢٥ عاماً في سجون افريقيا الجنوبية العنصرية.

إنها حكاية من تعاشقت في روحه وعقله ونفسه صفاته البدنية مع طموحات جشعه وميوله العدوانية، فأبى إلا أن يطغى!

وحكاية من أذله سواد بشرته وعرض أنفه وثخن شفتيه وهوانه على الآخرين من بني جنسه، فخنع تارة، وتمرد تارة أخرى.

ونحن المسلمون لسنا من بيضهم ولا من زرقة عيونهم، فليس لنا في صفوفهم الأمامية من مقاعد!

ربما نجح ترامب في ورقة العنصرية أن يعاد انتخابه من الأكثرية البيضاء، وربما كانت سبباً في رميه إلى مزابل التاريخ العنصرية!

هذا ما ستبقى مشدودين إلى نتائجه.

برلين، ٤/٦/٢٠٢٠

مقالات ذات صلة