المقالات

هل تضرب ارتدادات الانقلاب المصري إسرائيل؟

هل تضرب ارتدادات الانقلاب المصري إسرائيل؟

عاموس هرئيل

قد تشعر إسرائيل، قريباً، ببعض الارتدادات الجانبية التي يُحدثها الانقلاب العسكري في مصر. فسيناء تشتعل منذ ثلاثة أيام احتجاجا على الإطاحة بحكومة “الاخوان المسلمين” في القاهرة، فيما “حماس”، التي تحافظ حاليا على ضبط النفس، تنتظر على ما يبدو مزيداً من التطورات في مصر قبل أن تبلور رد فعلها، الذي قد يؤدي في ملابسات معينة الى تصعيد ما في التوتر مع اسرائيل.

وقالت مصادر عسكرية في مصر للصحافة في القاهرة إن الجيش بدأ بحملة واسعة النطاق ضد المنظمات الإسلامية في سيناء، مع التشديد على القسم الشمالي من شبه الجزيرة. وعلى حد قول هذه المصادر، فقد اكتشف وفجر في الأيام الاخيرة نحو 40 نفقاً استخدمته شبكات الارهاب على الحدود مع قطاع غزة. وجاء هذا بعد نهاية اسبوع عاصفة قتل في اثنائها بدو من المنظمات الاسلامية خمسة ضباط مصريين في هجوم منسق في العريش وفي محيطها، وفجروا الأنبوب الذي يضخ الغاز من مصر إلى الأردن.

غير أن مدى الجهد الذي يمكن لقوات الأمن المصرية الآن أن توظفه في سيناء محدود بطبيعته. فجل اهتمام القيادة العسكرية موجه لمحاولات اعادة النظام الى حاله في القاهرة، في الاسكندرية، وفي المدن الأصغر في الاراضي المصرية نفسها. مع أن المصريين نشروا، بإذن من اسرائيل، قوات بنوعية أعلى في سيناء واستعانوا لأول مرة حتى بمروحيات قتالية وكذا ببضع دبابات، الا أن لمصر أولوية أهم مقارنة بسيناء، ومن المشكوك فيه أن يكون بوسع هجوم عسكري مضاد أن يصد العنف الإسلامي لزمن طويل، رغم التحسن الذي طرأ في الأشهر الاخيرة على أداء قوات الأمن المصرية في سيناء.

في الصراع الاسلامي، يعد ضرب النظام الجديد الذي فرضه الجيش هو الهدف الاساس وليس إسرائيل. ولكن إذا قرر زعماء المنظمات في سيناء أن الهجوم على أهداف على الحدود الإسرائيلية سيخدم هو الآخر هدفهم، فمن المشكوك فيه جدا أن يكون بوسع الجيش المصري ان يمنعهم من ذلك. وتباهى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أول من أمس، حقا، في جلسة الحكومة باستكمال بناء الجدار على الحدود المصرية، والذي يجعل التسلل صعبا جداً– سواء من أولئك الذين يطلبون اللجوء من افريقيا أم المخربين من سيناء. ولكن الاسلاميين يمكنهم أن يبادروا الى عمليات لا تنطوي بالضرورة على اجتياز للجدار. فمسار العمل الاسهل والارخص سبق أن جرب من جانبهم ليل الخميس الماضي على ما يبدو، حين أطلق صاروخ من سيناء نحو إيلات، وان كان مكان سقوطه لم يعثر عليه بعد.

احد الفصائل المتطرفة العاملة في سيناء، انصار بيت المقدس، تبنى المسؤولية عن اطلاق الصاروخ. وينبغي الافتراض بانه من المتوقع حدوث محاولات اخرى لاطلاق الصواريخ في الفترة القريبة القادمة. في هذه المرحلة يمتنع الجيش الاسرائيلي عن تعزيز كبير للقوات على الحدود، ولكنه يركز بقدر اكبر على امكانيات جمع المعلومات الاستخبارية عما يجري على مقربة من الحدود في سيناء.

ولا يزال الضلع الثالث في مثلث الحدود هادئا. فحكم “حماس” في غزة يمتنع حاليا عن تصريحات التضامن العالية اكثر مما ينبغي مع الازمة التي علقت فيها الحركة الام في مصر. والهدوء النسبي الذي ساد حدود اسرائيل وغزة منذ نهاية حملة “عمود السحاب” في تشرين الثاني من العام الماضي هو نتيجة مباشرة لتفاهمات بين مصر و”حماس”.

وكان “الإخوان المسلمون” قدموا لـ “حماس” رعاية سياسية ولوجستية، وذلك مقابل منع الهجمات على النقب، بل وعملت “حماس” بشكل نشط جدا على لجم محاولات اطلاق النار من جانب فصائل اصغر.

ولا يزال من السابق لاوانه القول اذا كانت هذه الحالة المثالية قد انتهت بالضرورة الآن. لا شك أن “حماس” كانت تفضل استمرار حكم “الاخوان المسلمين” في القاهرة، ولكنها بحاجة لمصر في كل صيغة مهما كانت هوية النظام الجديد. فقد أغلقت مصر الاسبوع الماضي معبر رفح من غزة الى سيناء، ووجهت “حماس” لمنع عبور النشطاء من القطاع الى اراضيها خشية أن يساعد هؤلاء في أعمال “الارهاب” ضد قوات أمنها في سيناء.

وقد استجابت “حماس” لهذه التوجيهات وان كانت لم تستطبها.

وقال غازي حمد، نائب وزير خارجية حكومة “حماس”، السبت الماضي، في مقابلة مع “الجزيرة” انه في الظروف الناشئة لا يمكن للاستيراد من اسرائيل أن يوفر الاحتياجات الاقتصادية لغزة. وهذا طلب واضح من مصر باعادة فتح البوابات، ولكن من الصعب التصديق بأن القاهرة ستستجيب لذلك فورا في ضوء المخاطر الكامنة في ذلك من ناحيتها.

وفي المدى الأبعد بعض الشيء فإن إغلاق المعابر معناه أزمة اقتصادية في غزة. ومن أجل الخروج من هذا الوضح قد تهدد “حماس” أيضا باستئناف التوتر العسكري مع إسرائيل، حتى لو كان الأمر يتعارض ومصالحها الأعمق.

اما في مصر نفسها، فيشتد الخوف من ان تستمر دائرة الدم لزمن طويل. حتى الان يبدو أن “الاخوان المسلمين” يرفضون محاولات جس النبض من جانب النظام الجديد بهدف منع تمدد الصدامات المباشرة بين الطرفين.

ومع أنه ليس لـ “الاخوان” وسائل قتالية بالحجم الذي لا تتمكن قوات الامن من التصدي له، يكفي المزيج بين اخراج مئات الالاف الى الشوارع في مظاهرات عاصفة، تترافق احيانا واطلاق النار كي يفرض المصاعب على النظام.

لقد ترك احتشاد الجماهير من معارضي “الاخوان” في ميدان التحرير، الى جانب الانقلاب الذي قام به الجيش، انطباعا جديدا. ولكن “الاخوان المسلمين” لا يزالون قادرين على تجنيد مئات الالاف من جانبهم، ليس فقط في القاهرة بل وفي المدن الأخرى أيضا. ومع ان قيادتهم لا تدعو الى اطلاق النار على قوات الأمن، يخيل أن هدفها واضح جدا. فسقوط عدد كبير من القتلى في المظاهرات سيهز شرعية الحكم الجديد. وثمة للمعسكر الاسلامي على ما يبدو ايضا ما يكفي من المتطوعين المفعمين بالدافعية ممن يوافقون على تعريض أنفسهم للخطر والهرع نحو العيارات النارية.

فيلمان من المظاهرات في مصر التقطا في نهاية الاسبوع. في احدهما بدا مؤيدو مرسي ينفذون فتكا بمجموعة من الفتيان تعثر حظهم وعلقوا في قلب مظاهرة – يلقون بهم من السطح ويحطمون رؤوسهم بالصخور. وفي الفيلم الثاني تبدو قوات الامن في العريش في سيناء تطلق النار نحو متظاهرين يركعون في اثناء الصلاة. ويعكس الفيلمان شدة المواجهة والخطر الشديد في أن تتواصل هذه المواجهة حتى فقدان السيطرة على ما يجري في الدولة.

ويتحدث المحللون في وسائل الاعلام العربية عن محاولة الجيش فرض هيبة الحكم على المعارضين. في الجولة السابقة، مع سقوط حكم مبارك امتنع الجنرالات عن ذلك وساهموا في انهياره. والان ايضا، لديهم اسباب وجيهة للتردد في استخدام وسائل فظيعة. احدها يرتبط برد الفعل الأميركي: فاستمرار القتل سيعرض المساعدات الاقتصادية من الولايات المتحدة للخطر. ومنذ نهاية الاسبوع قُدّم طلب في واشنطن من جانب السناتور الجمهوري، جون ماكين، لإلغاء المساعدة للقاهرة في ضوء الانقلاب العسكري واستمرار القتل.

” هآرتس”، 8/7/2013

الأيام، رام الله، 9/7/2013

مقالات ذات صلة