المقالات

مقدمات انتفاضة شعبية فلسطينية شاملة

مقدمات انتفاضة شعبية فلسطينية شاملة

فايز رشيد

تعزيز اليمين المتطرف والآخر الأكثر تطرفا لمواقعهما خلال الانتخابات الأخيرة في إسرائيل ينبئ بتسخين الصراع الفلسطيني العربي – الصهيوني وعودته إلى مربعه الأول. مجمل الوضع الفلسطيني وكذلك العربي يساعدان على بدء انتفاضة فلسطينية ثالثة جديدة تكون أكثر عمقا ومدة زمنية هذه المرة. فقد كثر الحديث مؤخراً عن إمكانية اندلاع هذه الانتفاضة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وبخاصة أن الأجواء السائدة حالياً أشبه ما تكون بأحوال ما قبل الانتفاضتين السابقتين.من جهة. فإن موظفي السلطة في الضفة الغربية يقومون بإضرابات متتالية نتيجة لعدم صرف رواتبهم الشهرية كاملة خلال الشهرين الأخيرين. من ناحية ثانية فإن السلطة تعيش أزمة خانقة بسبب الحصار المالي المفروض عليها. فتسديد المعونات لها لا يتم بشكل منتظم.

الجامعة العربية مؤخراً استعدت بصرف 100 مليون دولار للسلطة شهرياً غير أن ذلك لا يتم حتى اللحظة.

على صعيد آخر فإنه وأثناء العدوان الصهيوني الأخير على القطاع في شهر نوفمبر الماضي. قامت في الضفة الغربية حراكات جماهيرية فلسطينية واسعة وساخنة في مواجهة قوات الاحتلال. إسرائيل ماضية في استيطانها وآخر حلقة فيه: المشروع”إي1″ الذي يقسم شمال الضفة الغربية عن جنوبها. ويصادر 10% من أراضي الضفة الغربية.المشروع هو بمثابة المسمار الأخير في نعش المراهنة على حل الدولتين. فهو يلغي إمكانية قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة ومتواصلة جغرافياً.الاستيطان والجدار والطرق الالتفافية الإسرائيلية صادرت حتى اللحظة ما ينوف عن الـــ80% من مساحة الضفة الغربية،عدا عن أن المشروع الاستيطاني الأخير يزيد من عزلة المدن والقرى والمناطق الفلسطينية. ويجعل منها كانتونات معزولة تماماً بعضها عن بعض.

على الصعيد السياسي: فإن الإنجاز الذي تحقق في الأمم المتحدة بقبول دولة فلسطين عضواً مراقباً في المنظمة الدولية. ظلّ إنجازاً معنوياً ليس إلا، ولا يمكن تطبيقه واقعاً على الأرض في ظل موازين قوى الصراع الفلسطيني العربي-الصهيوني.من جانبٍ آخر فإن التسوية وصلت إلى طريق مسدود ومفاوضات عشرين عاماً مع إسرائيل لم تُنتج سوى الكوارث والويلات على المشروع الوطني الفلسطيني وقضيته وعلى الحقوق الفلسطينية.إسرائيل تريد فرض رؤيتها للتسوية مع الفلسطينيين والعرب،وجوهرها:رضوخ كامل فلسطيني وعربي والمزيد من الاشتراطات عليهم.سقف التسوية هو شعار:”سلام مقابل سلام”وليس”سلام مقابل الأرض”.كما أن الحقوق الفلسطينية تخُتزل إسرائيلياً بالحكم الذاتي،أي أن الفلسطينيين يشرفون على قضاياهم الحياتية دون امتلاك أية عناصر سيادية،ودون حق العودة والقدس وكامل حدود منطقة عام 1967،ودون المياه مع حق إسرائيل في دخول الأراضي الفلسطينية متى شاءت. وتواجد عسكري إسرائيلي في منطقة غور الأردن عدا عن ذلك: على الطرفين الفلسطيني والعربي الاعتراف”بيهودية دولة إسرائيل”.

على صعيد الداخل الإسرائيلي: فإن قوى اليمين الفاشي عززت من مواقعها والاحتمال الأبرز هو تكليف نتنياهو بتشكيل الحكومة القادمة ولكن الحكومة ستكون أكثر يمينية وتطرفا وفاشية من الحكومة السابقة. هذا يشير أيضاً إلى أننا أمام تسوية مذلّة واختزال أكبر للحقوق الفلسطينية والعربية.

بالمقابل فإن السلطة الفلسطينية في ظل هذا التعنت الإسرائيلي الشديد. والتنكر المطلق للحقوق الوطنية الفلسطينية، لم تطرح استراتيجية بديلة لنهج المفاوضات بل تزداد يوماً بعد يوم تمسكا بها رغم عقمها ولا جدواها وآثارها التدميرية على القضية الفلسطينية.السلطة للأسف تعتبر المقاومة المشروعة(عنفا) بل (إرهابا) رغم الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة يومياً على الأرض والإنسان في الأراضي المحتلة (في الضفة الغربية وقطاع غزة ومنطقة 48).

بالمقابل أيضاً فإن السلطة الأخرى في قطاع غزة متمسكة بالتهدئة والهدنة مع العدو الصهيوني إلى أمد غير معلوم. إسرائيل ما تزال تمارس ذات الحصار على غزة. المقصود القول: إن إسرائيل في وضع ملائم دون عمليات عسكرية مقاومة ضدها،لا من قطاع غزة (إلا من تلك التي تجري دون سماح من السلطة القائمة ودون معرفتها). هذا في ظل التنسيق الأمني القائم بين السلطة في رام الله والكيان الصهيوني. الأخير سيفرض المزيد من القوانين العنصرية ضد أهلنا في منطقة 48،وسيستمر في وضع العراقيل أمام نيلهم لحقوقهم.

عربياً: فإن الآمال الفلسطينية التي كانت معقودة على متغيرات إيجابية حول ما يسمى بــ(الربيع العربي) تجاه القضية الفلسطينية. وفي مجال الصراع مع إسرائيل. لم تتحقق ولو في جزءٍ صغير منها،فهذه الدول ما زالت تعيش إرهاصات التحولات فيها وإشكالاتها الداخلية،وفلسطين والصراع مع العدو،لا يحتلا أولوية في أجنداتها وبالتالي فلا متغيرات حقيقية تنعكس إيجاباً على المشروع الوطني الفلسطيني.

الوضع الدولي هو ذات الوضع والذي يبقى في صالح إسرائيل. إلا من انتقادات واحتجاجات على الاستيطان الإسرائيلي،وهو ما لا تحسب حسابه إسرائيل. وتقوم بفرض حقائقها على الأرض.إنجاز قبول الدولة المراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة كما صمود المقاومة في حرب الثمانية أيام لم يجر استثمارهما للأسف في إنجاز المصالحة الفلسطينية والعودة بالوحدة الوطنية الفلسطينية إلى سابق عهدها. على أساس الثوابت الوطنية الفلسطينية. ولم يجر إحياء للمقاومة وأحد أبرز أشكالها: الكفاح المسلح ولم يجر إصلاح لمنظمة التحرير الفلسطينية.

لكل ذلك: فإن الأجواء مهيأة لاندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة. وقد تشمل المنطقة المحتلة في عام 1948. غير أن الانتفاضة بحاجة إلى قيادة فلسطينية موحدة(وهذه تفتقدها الساحة الفلسطينية في ظل الانقسام) وهذا ما يؤثر سلباً على اندلاعها. لكن في كثير من الأحيان: فإن اندلاع الانتفاضات الشعبية لا يرتبط بالواقع السياسي المعاش ولا بالحسابات هذا من ناحية. ومن ناحية ثانية: فإن الانتفاضة تندلع “بالقشة التي تقصم ظهر البعير” والتي تأتي في معظم الأحيان نتيجة حدث غير متوقع. في ظل وجود أرضية وأجواء مهيأة. أغلب الاحتمالات أن انتفاضة فلسطينية ستندلع في فترة قريبة (قد تطول أو تقصر). ما دامت الأوضاع السياسية جامدة إلى هذا الحد في الوضع الفلسطيني المثقل بالأزمات المالية والسياسية والبنيوية التنظيمية. وفي ظل عدم استقرار الوضع العربي. وفي ظل ميزان قوى دولي منحاز بالكامل للطرف الصهيوني. الانتفاضة القادمة في استمرارها وعمقها ستكون مرهونة بالطريقة التي سيتم استغلالها بها.

الشرق، الدوحة، 25/1/2013

مقالات ذات صلة