المقالات

زواج البدل … مصاهرة “قاتلة”!

زواج البدل … مصاهرة “قاتلة”!

بقلم/ فداء محمد عبد الجواد

صفحات قاتلة على هامش حياة المرأة تتوجها ملكة على عرش التعاسة الأبدية، ورغبات مهمشة يقتلها ولي أمرها داخل قلبها، وتبقى الحسرة في عيونها الحائرة بمستقبلها القادم .. كالعادة ترسم الفتاة في خيالها لحظة زفافها وفرحة عمرها، ولكن ما تمارسه بعض العائلات في قطاع غزة من ظاهرة الزواج المتبادل أي “زواج البدل” بين العائلات سواء بصلة قرابة كان أو غريباً عنهم يحطم تلك اللحظات المرغوب فيها.. .

فزواج البدل هو مصاهرة العائلات على سنة الله ورسوله كالزواج المتعارف عنه، لكنه يختلف نوعاً ما من خلال تبادل هذه العائلات لأولادهم، فتتم المصاهرة فيما بين عائلتين لتقوية الروابط الاجتماعية من خلال التبادل عبر شابين كل منهما يتزوج أخت الآخر.. .

هذا النوع من الزواج بدأ ينتشر في البلدان العربية، وظهر أيضاً في فلسطين، لكنه كان دارجاً في جيل أجدادنا قديماً، وكان كل شاب من عائلة يتزوج فتاة تبادلهم هذه العائلة بشاب لأخت الشاب المتقدم أولاً، تماماً مثل تبادل السلع دون مهر أو أي حقوق لهاتين الفتاتين غير أنهما تبادلتا أماكن العيش.. .

وعود على بدء، عادت العادات القديمة لتستحدث نفسها في وقتنا وعصرنا هذا، فدرج “زواج البدل” مرة أخرى بين العائلات بسبب غلاء المعيشة والمهور واحتياجات الزواج.. .

(س.ع) فتاة ظلمها قوة الأهل، وجبروتهم وعاداتهم التي لم تتغير منذ الأزل، فهي تتبادل الأبناء فيما بينهم فقط، وهذه الفتاة من ذوات الطبقة السوداء، ومن عاداتهم تزويج أبناء العموم لبنات العموم، هذا شيء غير مستغرب في عاداتهم إنما الشيء الآخر هو أنها بديلة ابنة عمها، وزواجها إجباراً فهذه هي “العائلية” القاتلة لأحلام أي فتاة ترغب بالزواج من شريك تختاره. قضت أول شهر بعد الزواج وكأنه عسل، لكنها لم تعلم ما بعد ذلك من خبايا وأسرار الحياة القاتلة، وخطوة جديدة لبداية المشاكل والصراعات الداخلية التي تدور ليل نهار، وكأنها سجن يتصارع فيه المعتقلون، وقالت بمرارة: “إلى متى سأبقى أتحمل قسوة الأيام بخطأ والدي!”.

كل هذا وأكثر، هذه ليست الحالة الوحيدة فهناك الكثير منها من أجل غلاء المهور، وهناك أيضاً حالات عديدة من أجل الميراث فيرفض الأهالي تزويج بناتهم خارج العائلة، كي لا يذهب الإرث للغريب.. .

فالعائلات البدوية كانت أو مدنية أصبحت تتعامل مع الظاهرة بشكل طبيعي، دون مراعاة للمشاعر لدى الطرفين، ودون مراعاة لرغبة أبنائهم.

وإحدى الفتيات التي قابلتهن من أجل الموضوع، قصتها تختلف عن سابقتها أو حتى عن القصص الدارجة في الوقت الحالي بين الأقارب، فوالدها له صديق عزيز عليه ومن أجل الصداقة أراد أن يوثق العلاقة بنسيج عائلي متعارف عليه ألا وهو الزواج، وفرحة عمره بأولاده، فلديه ابنتين وابن، وصديقه ابنين وابنة، فزوج ابنتيه لأبناء صاحبه وبعد ذلك للتوثيق أكثر زوج ابنة صديقه زوجة لابنه أي “كنه” له، وكما قالت في تفاصيل قصتهم أنها قد صارت مشكلة بينها وبين زوجها فرجعت لوالدها، فاضطر أخيها تحت ضغوط من العائلة لإرجاع زوجته لأهلها، وهو ما تكرر مع الشاب الثالث .. وكانت نهايتها الطلاق لكلا الأطراف بسبب بسيط فقط بين عائلة واحدة دمرت ثلاثة والصداقة تبخرت.. .

اعتقد أن هذه القصة تثير الأعصاب، لكنها تسلط الأضواء على حقيقة آثار زواج البدل الذي يدمر العائلات ويقطع خيوط النسيج الاجتماعي ليس هذا فقط، إنما دمار لنفسية أصحاب القصص المتزوجين من خلال زواج البدل، ويسبب زيادة في حالات الطلاق، وكذلك التفكك الأسري الذي ينتج عنه عنف ضد الأطفال، فما ذنب هؤلاء الأبرياء ليصبحوا تحت ضغوط نفسية سيئة؟؟.

وعلى صعيد الشريعة الإسلامية يعتبر زواج البدل طبيعياً لأنه يمتلك كافة المقومات ويتماشي مع سنة الله ورسوله، إنما اختلافه بسيط، فإما يكون مدفوع الأجر بنفس المبلغ وإما كلا الطرفين يكتفي بكسوة ابنته.. .

وفي هذا السياق نتجه نحو القانون الفلسطيني وكيفية تعامله مع هذه المسألة، فلا ننسى أن الزواج يتم عقده في المحكمة الشرعية، فالجانب القانوني يتحدث عن هذا الموضوع بأنه يتم العقد كما تريد العائلة فهو لا يسبب أي مشكلة اتجاه القانون طالما أنه شرعياً وقانونياً يقع ضمن الشروط المطلوبة لاستيفاء عملية الزواج.. .

والقانون يكفل حقوق زواج البدل من ناحية الاتفاقيات التي تمت بين العائلتين من متأخر و”عفش البيت”، فقط لا غير .. ولكن هناك قانونيون يقولون يوجد خطط مستقبلية جديدة للتغيير في القانون الذي يكفل حقوق العائلة “القانون العائلي”.. .

هذا كله لا يعني أن الحياة توقفت عند زواج البدل، صحيح أن الكثير من القصص فشلت بسبب عادات الأهالي بتبادل زواج الأبناء، لكن هناك أيضاً قصص نجحت في حياتها، فهذا يعود إلى الفكر الصحيح للحياة، والحفاظ على الكرامة والتربية والثقافة التي نشأ عليها هؤلاء الأفراد والأسر من حولهم.

مقالات ذات صلة