الشتات الفلسطيني

رفعت شناعة لموقع فلسطيننا || حركة فتح ولأنها حركة وطنية فهي ملك للشعب الفلسطيني وليست حكراً على أبنائها.

تشهد الساحة الفلسطينية اليوم، في الوطن والشتات، عددًا من الأحداث الساخنة المتصاعدة. فمن توقيع اتفاق المصالحة إلى توقف مهلة المفاوضات وزيارة البطريرك الراعي للأراضي الفلسطينية وما تشهده الساحة الفلسطينية في لبنان من أوضاع وتطورات، كلها قضايا غاية في الأهمية لدورها في رسم أفق ومستقبل القضية الفلسطينية. ومن هنا كان لنا هذا اللقاء مع أمين سر إقليم حركة “فتح” في لبنان مسؤول مفوضية الإعلام والثقافة الحاج رفعت شناعة، لوضعنا في تفاصيل وآخر مستجدات هذه القضايا.

كيف تقيّمون ـ كحركة فتح ـ زيارة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي لفلسطين؟ وما رأيكم بموجة ردود الفعل التي أُثيرَت حولها؟

نحن نعتبر إصرار البطريرك الراعي على زيارة القدس موقفًا شجاعًا تجاه المقدسات المسيحية في القدس، ونعدُّ هذا الموقف داعمًا أساسيًا لأهلنا في المدينة خاصةً أنهم بأمس الحاجة إلى التعاطف والدعم من قِبَل كل الأطراف والقوى الإسلامية والمسيحية. وهذه الزيارة تعتبر كما قال البطريرك “للسجين وليس للسجَّان”، وبالتالي هذا مؤشر مهم بالنسبة لنا ومشجّع لكثير من رجالات الدين المسيحي لزيارة مدينة القدس وبيت لحم وغيرها من الأماكن المقدسة في فلسطين. وبالتأكيد فموقفه الشجاع ورأيه المستقل بعيدًا عن الضغوطات لهذا الطرف أو ذاك هو موقف يستحق الاحترام، خاصةً أنه جاء إثر فتوى للشيخ يوسف القرضاوي بالدعوة لمقاطعة زيارة القدس لأن في ذلك خدمة للتطبيع على حد تعبيره، إلا أن غالبية علماء المسلمين عارضوا هذه الفتوى، والآن نجد إقبالاً واسعًا من الدول العربية والإسلامية الصديقة لزيارة القدس، وهذا ما يُفرح قلوب أهلنا هناك، ويسعدنا لرؤية الأمة لا تتخلَّى عن شعبنا الذي يقف اليوم وحيدًا في مواجهة الاحتلال الصهيوني وممارساته التهويدية بحق الأرض والشعب والمقدسات الإسلامية والمسيحية، ومحاولته فرض واقع جديد يقول بضرورة تقسيم الأقصى زمانيًا ومكانيًا، أي بحيث يكون هناك قِسمٌ ووقت دخول معين للمسلمين، وقِسمٌ ووقت دخول معين لليهود، وهو أمر مرفوض تمامًا من قِبلنا. ولذلك نرى هذا الصمود الرائع من شبابنا ونسائنا وكهولنا الذين يبيتون في المسجد الأقصى لمواجهة أي محاولة لاستباحته.

إذًا هل تحظى القضية الفلسطينية، برأيكم، بالاهتمام والمواكبة الإعلامية العربية الكافية في ظل كل ما تتعرّض له؟ وما هو تقييمكم لأداء الإعلام الفلسطيني في دعم قضية شعبنا؟

لا شك أن القضية الفلسطينية قد تراجعت كثيرًا على صعيد الاهتمام العربي، وأصبحت هناك أولوية لما تشهده هذه الدول من صراعات ونزاعات ومآسٍ تدفع ثمنها شعوب هذه الدول. وبالتالي فقد أصبحت القضية الفلسطينية اليوم في درجة متدنية من سلم أولويات الإعلام العربي، وهو أمر مؤسف ومصدرُ رعب وخوف بالنسبة لنا على قضيتنا ومستقبل شعبنا وكفاحه الوطني من أجل الحرية والاستقلال، في ظل اتساع وتزايد حجم الإعلام الصهيوني الذي استطاع أن يشتري الكثير من الصحف والقنوات الفضائية في العالم، وما فتئ يدفع الأموال الهائلة للسيطرة على الخبر والصورة ليبرز الموقف الإسرائيلي ويجعل من الجلاد ضحيةً ومن الضحية جلادًا. لذا نأمل من الأمة العربية ألا تخضع للمتغيرات السياسية والعسكرية والأمنية التي تجري في العالم العربي وتتنسى ما يحدث في أرض المقدسات.

أمَّا من ناحية الإعلام الفلسطيني، فنحن كشعب فلسطيني، وكمنظمة تحرير فلسطينية بالتحديد، نبذل جهدنا، ولكن الإعلام في الواقع قائم على الإمكانيات المالية والمادية ليتم تشغيله على كافة المستويات المرئية والمكتوبة والمسموعة، ونحن نحاول جهدنا تغطية بعض الزوايا التي من الممكن التعاطي معها بشكل يومي، ولكن هناك هيمنة هائلة للاحتلال، وهذا يتطلَّب معركة دائمة ومتواصلة على مدار الساعة، لكن رغم كل ذلك استطعنا كمنظمة تحرير فلسطينية من خلال إعلامنا وسفرائنا والشخصيات السياسية الفلسطينية التي تقود الجانب السياسي والدبلوماسي كسب التأييد الدولي، بدليل تبدُّل موقف أوروبا المعروفة بعلاقتها التاريخية مع الكيان الإسرائيلي، بحيث أصبحت اليوم تُحمِّل “إسرائيل” مسؤولية وقف المفوضات، وتُقاطعُ منتجات المستوطنات الإسرائيلية وهي معركة مهمة جدًا بالنسبة لنا. كما أننا استطعنا كسب تأييد (138) دولة مقابل (9) دول للاعتراف بعضوية دولة فلسطين عضو مراقب.

بعد سبع سنوات منهكة من الانقسام تحققت المصالحة المنتظرة وبدأت جدية المساعي تظهر من خلال اللقاءات المشتركة سواء في غزة أو قطر. كيف تقرؤون أُفق هذه المصالحة؟ وما هي العقبات التي قد تبرز في وجه استكمال هذا الانجاز؟

لا شكَّ أن المصالحة تعتبر انجازًا تاريخيًا للشعب الفلسطيني تحقّق بعد أن اتخذ الكل الفلسطيني الوطني والإسلامي اليوم قراره الحاسم والجازم بطي صفحة الانقسام، والانطلاق باتجاه تنفيذ ما تمَّ الاتفاق عليه في وثائق المصالحة الموقَّعة من كل الأطراف. ونحن اليوم كقيادة أعطينا الضوء الأخضر لانطلاق عربة المصالحة، ولكن تحقيقها ليس نزهة وإنما هو عمل جاد ومعقد وصعب. أولاً، إن هذا الانجاز يحتاج إلى نوع من الغيرة الوطنية على فلسطين، ووضع المصلحة الوطنية الفلسطينية فوق المصالح التنظيمية والحزبية. ثانيًا، نحن جميعًا لنا مصلحة في المصالحة لأنه عَبْرَ هذه السنوات السبع العجاف لم يستفد أي جانب فلسطيني من الانقسام، وكان المستفيد الوحيد هو العدو الإسرائيلي الذي استغل هذا الانقسام لإثارة الفتنة في الصف الفلسطيني، وتعميق الهوة بين الأطراف الفلسطينية، وإحراج القيادة الفلسطينية، حيثُ أن نتنياهو كان دائمًا يقول للعالم “أبو مازن يطالبني بالاعتراف بدولة فلسطينية ولكن أنا أقول له أين ستكون هذه الدولة في غزة أو في الضفة الغربية؟”، لذا فبتأكيدنا على تحقيق المصالحة أصبحت ذريعة نتنياهو باطلة في العلم السياسي. ثالثًا، إن المطلوب اليوم هو وضع النقاط على الحروف لتنفيذ المصالحة بكل ملفاتها الساخنة. رابعًا، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن هناك تداعيات وترسبات موجودة في الواقع الفلسطيني ليس من السهل تجاوزها، وإنما تحتاج لجهود مكثّفة من جميع الأطراف والأصدقاء، وللثقة المتبادلة بين كل الفصائل وخاصةً بين حركتَي فتح وحماس، ولإعطاء الأولوية لما يلبي طموحات شعبنا الفلسطيني. خامسًا، اليوم هناك قضايا أصبحت جاهزة ويجب البدء بها، وبتقديري هذه القضايا انطلقت. فالرئيس أبو مازن يعمل على تشكيل حكومة “التكنوقراط”، أي الكفاءات المهنية، من المستقلين، وسيتم تشكيلها توافقيًا، أي عبر تشاور الرئيس أبو مازن مع كل الأطراف، وحين يتم إعلان تشكيل هذه الحكومة، التي يجب أن تتشكَّل في غضون المهلة المحددة وهي 5 أسابيع، سيعلن الرئيس أبو مازن عن موعد البدء بالانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني، بحيث يكون هذا الموعد بعد إعلان الحكومة بسقف لا يتجاوز الأشهر الستة، علما أن المدة كانت سابقًا ثلاثة أشهر ولكن الرئيس أبو مازن لبّى رغبة حماس في تمديدها لأن الأخيرة تريد فرصة إضافية لترتّب أوضاعها وتدخل في الانتخابات. وستكون لهذه الحكومة المؤقتة مهمتان؛ الأولى بناء ما تهدم في قطاع غزة إثر الحروب مع العدو الصهيوني، والثانية استكمال الانتخابات لننطلق بشرعيات منتخبة لا يستطيع أحد التشكيك بها.

وبالنسبة للمجلس الوطني الفلسطيني، وهو الأهم لكونه الذي يقرر مصير شعبنا في الداخل والخارج، فيتم تشكيله من خلال الانتخابات والتمثيل، بمعنى أن القوى النقابية والشعبية والمستقلين إما يعيَّنون تعيينًا، أو يُمثَّلون بحسب نتائج الانتخابات النقابية، بحيث يتم اختيار القيادات العُليا المنتخبة لتمثّل الشرائح الأخرى. أمّا الأعضاء العاديون الذين يمثلون التجمعات الشعبية الفلسطينية في العالم فيتم انتخابهم في الدول التي تسمح بالانتخابات، وتعيينهم بالتوافق في الدول التي لا تسمح بالانتخابات. ومن يضع الترتيبات لعملية الانتخابات بتفاصيلها من حيث عدد المرشحين والمنتخَبين في كافة الدول ونسبة التمثيل وشروط الانتخاب وغيرها هي لجنة تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية وهي لجنة عُليا تضم في عضويتها الأمناء العامين لجميع الفصائل الفلسطينية وهيئةً تمثِّل المجلس الوطني الحالي وشخصيات مستقلة، وستبحث قريبًا جدًا هذه الترتيبات، ثم يتم إقرارها من قبل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.

من جهة أخرى فلابد من الإشارة إلى أن اللجان المنبثقة عن اتفاق المصالحة قد انطلقت بعملها؛ كلجنة المصالحة المجتمعية ومهمتها معالجة وبلسمة الجراح التي أعقبت عمليات القتل والإصابات والإعاقات جرَّاء أحداث الانقلاب في قطاع غزة، والمطلوب منها وضع حلول بالاتفاق مع المسؤولين في غزة والضفة ومع وجهاء العشائر لأن الموضوع له بعد عشائري، ولجنة الحريات كذلك، برئاسة مصطفى البرغوثي، وهي تُعنى بحرية الصحافة والإعلام والتعبير عن الرأي، وكخطوة أولى من انطلاق عملها فإن صحف الضفة بدأت تُوزَّع في غزة والعكس، وهذا انجاز مهم لأن الجانب الإعلامي يؤدي دورًا مهمًا في التأثير على الرأي العام الفلسطيني ووضعه في مجريات الأمور ومستقبلها. وكذلك الأمر بالنسبة للجنة ملف المعتقلين الذي أوشك أن يُنجَز بكافة جوانبه. ولكن تبقى بعض الملفات غير منجزة كالملفات المتعلِّقة بتركيبة الأجهزة الأمنية والجوانب الإدارية والمالية، إذ إن معالجتها ليست من مسؤولية الحكومة الحالية فقط وانما من صلاحيات الحكومة التي ستُشكَّل بعد انتخابات المجلس التشريعي.

ولا شك أنه ستبقى هناك بعض النقاط الخلافية لكننا سنعالجها على أرضية الوحدة الوطنية والتفاهم لا الانقسام، وهذا الأمر يحتاج إلى التوافق على برنامج سياسي جزء كبير منه، بتقديري، متفق عليه في ميثاق الاتفاق الذي وُقِّع. وفي هذا الصدد لا بد من الإشارة إلى أن وثيقة الأسرى العام 2006 مهمة جدًا في خدمة برنامجنا السياسي لأنها عالجت الجوانب الخلافية في الساحة الفلسطينية، وتحديدًا موضوعات المفاوضات والمقاومة وأشكال المقاومة. وعلى سبيل المثال، هناك بند في وثيقة الأسرى يقول أن المفاوضات هي من اختصاص منظمة التحرير الفلسطينية لأن هناك دائرة في منظمة التحرير اسمها دائرة المفاوضات ويرأسها د. صائب عريقات، وأن هذه المفاوضات ينبغي أن تجري تبعًا لضوابط أبرزها ألا تتعارض مع الحقوق الوطنية الفلسطينية وقرارات الشرعية الدولية، وأن يتم عرض كل ما يتم الاتفاق عليه في هذه المفاوضات للاستفتاء الشعبي أو على المجلس الوطني إذا كان قد تم انجاز انتخاباته.

وبالعودة للبرنامج السياسي فمن المهم أن يكون برنامجنا واضحًا وواقعيًا يحكم سلوكنا العسكري والسياسي في مقاومة الاحتلال للوصول لأفضل النتائج، وهذا يكون عبر اختيار أفضل الوسائل والأدوات المناسبة لمقاومة الاحتلال، لأن المقاومة هي الوسيلة وليست الهدف، وبالتالي فإن كانت الوسيلة التي نعتمدها لا تقربنا، أو تكلفنا الكثير على طريق تحقيق الهدف، الأحرى بنا تغييرها، ولذلك لا يجوز أن تلجأ القيادة الفلسطينية إلى الشعارات الرنانة على حساب الشعب. وهذا ما يوصلنا للسؤال الذي يطرح نفسه على الجميع “أيهما أفضل لنا: اللجوء إلى المعركة العسكرية المفتوحة، والتقنيات العسكرية ضد الاحتلال في هذه الفترة أم اعتماد المقاومة الشعبية التي تُمهِّد لتفعيل الواقع الشعبي بكافة شرائحه وفي كافة الأماكن؟!”، وهنا لا بد أن نذكِّر أن الهند وجنوب إفريقيا لم تمارسا عملاً عسكريًا كما حدث في فيتنام بل اعتمدتا المقاومة الشعبية والسلمية ومع هذا تمكنتا من نيل حريتهما. لذا فهذا الموضوع يحتاج دراسة وقراءة متأنية من القيادة الفلسطينية ككل، وهذه الأمور ستكون مدار بحث خلال الشهور القادمة من عمر الحكومة، وبعد الانتهاء من الانتخابات سيكون هناك مجلس تشريعي جديد، وهو يعد بمنزلة مجلس للنواب، والرئيس أبو مازن سيُكلِّف إحدى الشخصيات من الكتلة الأكبر من الفائزين في المجلس بتشكيل الحكومة الجديدة. وبالطبع نحن ندعو جميع من يتابعون موضوع المصالحة ألا يستعجلوا الأمور، وأن يتوقعوا بعض العراقيل، ولكننا نؤكد أن لا عودة للوراء بعد هذه الخطوة لأن العودة ستكون مكلفة جدًا وليست من مصلحة أحد سوى الاحتلال.

أين تقفون الآن من العودة للمفاوضات بعد أن شكَّلت وثيقة الأسرى أرضية دفعت حماس للقبول بالمفاوضات وان بشكل مبدئي؟

بداية لا بد من الإشارة إلى أن مدة المفوضات، أي الأشهر التسعة، التي وافق الرئيس أبو مازن عليها قد انتهت، وسيادة الرئيس كان دائمًا مصرًّا على أن يكون هناك سقف زمني للانتخابات. ومن خلال التجربة كانت متعبة، ولكننا لم نخسر شيئًا، والشروط التي وضعها الرئيس أبو مازن كانت وما زالت هي الأساس منذ بدء المفاوضات الأخيرة. وقد أبلغ الرئيس أبو مازن الجانبين الأمريكي والإسرائيلي بأن الجانب الفلسطيني لن يدخل المفاوضات مجدداً إلا استنادًا لقرارات الشرعية الدولية وعلى رأسها إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على أراضي العام 1967، والإفراج عن 104 أسير فلسطيني معتقلين قبل اتفاق أوسلو العام 1993، وهؤلاء محكومون بالمؤبَّدات ولم يستطع احد أن يضغط باتجاه الإفراج عنهم، لذا حاول الرئيس أبو مازن إخراجهم، فطرح موضوع الإفراج عن الأسرى مقابل تأجيل توجُّهِنا للانتساب للمؤسسات والهيئات الدولية، غير أن بعض الأطراف حاولت تشويه موقف الرئيس أبو مازن عبر القول بأن موضوع الأسرى كان مقابل مواصلة الاستيطان وهذا غير صحيح. ولكن عندما أوقف الكيان الصهيوني الافراج عن الدفعة الرابعة أعطى سيادة الرئيس تعليماته فورًا بالذهاب للأمم المتحدة، وانتسبنا لـ15 مؤسسة دولية وهذه المؤسسات أعطتنا موافقة سريعة جدًا مما يؤكّد تعاطف العالم معنا واستياءه من ممارسات إسرائيل بحق شعبنا. كذلك فنحن اليوم كفلسطينيين لنا دين على العالم لأننا احترمنا الرأي العام الدولي الذي كان يضغط علينا للدخول للمفاوضات، ولسنا من أوقفها. وقد أعلن الرئيس أبو مازن انه لا مانع من العودة للمفاوضات على أن تكون هذه المفاوضات خاضعة لشروط أساسية أولها: إفراج الكيان الإسرائيلي عن الدفعة الأخيرة من الأسرى، وتكمن الإشكالية في هذه المسألة بأن إسرائيل ترفض الإفراج عن أسرى الـ48، وعددهم 16، إلا في حالة واحدة وهي إبعادهم خارج أراضي الـ48، وهو أمر أكّد سيادة الرئيس رفضه الكامل له، لأنه لا يرضى بأن يتم إبعاد أي فلسطيني عن أرضه وبيته وعائلته، علمًا أن الأخوة في حماس كانوا قد وافقوا ضمن صفقة شاليط السابقة على إبعاد عدد من الأسرى إلى تركيا وقطر وسوريا، وهذا موقف يثمَّن للرئيس أبو مازن. أما الشرط الثاني فهو وقف الاستيطان في كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 بما في ذلك القدس، وثالثًا موافقة إسرائيل على ترسيم حدودها واعترافها بأن حدود الدولة الفلسطينية هي الأراضي المحتلة في الرابع من حزيران عام 1967. وبالتالي هذا يؤكد أن المفاوضات فيما لو حصلت لن تكون عبثية وإنما ستكون خاضعة لقرارات الشرعية الدولية، وستكون مُكلفة للاحتلال الذي أتوقع ألا يدخل في هذه المتاهة. ولكن هذا لا يمنعنا من استكمال توجهنا للانتساب للمؤسسات والهيئات الدولية، لأن ذلك حق طبيعي لنا لمحاسبة ومعاقبة القادة الإسرائيليين على جرائهم المرتكبة بحق شعبنا. وطبعًا فالمجلس المركزي لـ”م.ت.ف” الذي اجتمع منذ 10 أيام تقريبًا وافق على ما طرحه الرئيس أبو مازن، وأصبح توجه المفاوضات توجهًا فلسطينيًا، وأي اتفاق يتم مع الجانب الإسرائيلي سيخضع للاستفتاء الشعبي. وعلى الرغم من أن أمريكا التي كانت تحمِّل مسؤولية فشل المفاوضات لإسرائيل سابقًا أصبحت الآن تحمِّلها للجانبين الفلسطيني والإسرائيلية مناصفة على لسان كيري، إلا أن الرئيس أبو مازن يحظى باحترام العالم كله بفضل مواقفه الرصينة والحكيمة حتى أن الفصائل الفلسطينية لم تجد ما تنتقده في أدائه وباتت جميعها تلتف حوله، وهو نجح في إدارة المفاوضات، وسينجح في إدارة المقاومة الشعبية من خلال غرفة عمليات فلسطينية واحدة تقودها وتوجهها قيادة سياسية موحّدة.

بالانتقال إلى أوضاع ومشكلات الفلسطينيين في مخيمات لبنان، وتحديدًا الأحداث الأمنية التي زادت وتيرتها، ما هي الآلية المتبعة لعلاج تداعيات هذه الأحداث والحيلولة دون وقوعها مجددًا؟ وإلى أين وصلت التحقيقات في الأحداث السابقة؟

لا شكَّ أن المخيمات الفلسطينية قد تأثّرت بحالة الاضطراب والإرباك التي يعانيها لبنان بأسره إلى جانب انعكاسات الأزمة السورية والصراع المتواصل والتداخلات الإقليمية في الصراع الحالي. ونحن سعداء لأن الحكومة اللبنانية تشكّلت ونأمل ألا يحصل فراغ دستوري في الرئاسة لأن استقرار لبنان ينسحب إيجابًا على أوضاعنا في المخيمات الفلسطينية. وبالطبع واقع المخيمات يحتاج اهتمامًا ورعاية من قِبَل القوى الفلسطينية بكاملها ولوحدة موقف في المعالجة. فهناك وثيقة تم التوقيع عليها من قبل كافة الأطراف بالالتزام بكل ما له علاقة بالجانب الأمني ومتابعة ما يتعلَّق به من أحداث، وهو موضوع حساس يحتاج متابعةً وتشاورًا دائمًا مع المسؤولين اللبنانيين لمعرفة كيفية المعالجة السليمة له. ولو كان هناك حرص من الجميع على تطبيق بنود الاتفاق لكان بالإمكان تجنُّب ما حدث بعد التوقيع. وفي الأسبوع المنصرم عُقِد اجتماع تم الاتفاق خلاله على تشكيل قوة أمنية ما يميزها عن سابقاتها هو أنها أكثر فاعلية لكونها مشكّلة من عدد أكبر من العناصر والضباط وتتّسم بالتنوع حيث تضم كافة الأطراف، لأنه لا يجوز لأي طرف أن يخلي مسؤوليته من مسألة بهذه الأهمية، كما أن قيادتها ستتألَّف من ضباط لهم خبرة، وقادرون على التدخل السريع لحسم أي خلاف يحصل داخل المخيم. وأتصور أن العدد الذي تم الاتفاق عليه يؤهل هذه اللجنة لحل المشكلات على أرض الواقع، وفي كافة الأحياء، إضافة لتنظيم السير في شوارع المخيم. وهذه اللجنة تحتاج لتجربة الآن، ولكننا نتمنّى ألا تحصل أي عمليات اغتيال، فقد آن الأوان لأن تكون هناك مصارحة كافية والعمل بكل وضوح، ولتتمكن اللجنة الأمنية بالتعاون مع القيادة السياسية من تسليم مرتكبي هذه الجرائم. فالشعب الفلسطيني لم يعد يطيق ما يجري من أحداث لها تداعياتها السلبية على المدارس والأسواق والحياة اليومية، ومن حق شعبنا علينا أن نكون على مستوى الأداء الأمني والسياسي والأخلاقي والاجتماعي. ونحن في حركة “فتح” ندفع بالعدد الأكبر من هذه القوة الأمنية، وبعدد من الضباط المعروفين والقادرين على تحمل المسؤولية، وبكل ما هو مطلوب من أجل إنجاح مهمتها. ولا يغيب عن بالنا أن قادة الأجهزة الأمنية اللبنانية يتابعون التحركات والانجازات السياسية في المخيمات، وهم يباركونها ويبدون الاستعداد للمساعدة في إيجاد غطاء لهذه القوة، لأن الخلل الأمني في المخيمات ينعكس على الجوار. وهناك جدية في المساعي لأن هناك إصراراً سواء من القيادة الفلسطينية أو اللبنانية على ضرورة تحمل الفصائل مسؤولياتها، وهناك وعود من المشرفين على الوضع الأمني في المخيم أن يكون هناك إجراءات ميدانية أكثر دقة، مع أن لا احد قادر على منع حصول أي حدث، لكن هناك فرق بين أن تكون القوة الأمنية متنبّهة وأكثر جاهزية وبين ألا تكون كذلك. وفيما يتعلَّق بالتحقيقات في مخيمَي عين الحلوة والمية ومية، فإن آلات التصوير تؤدي دورًا ايجابيًا في رصد التحركات المشبوهة وتقدِّم معلومات مساعدة في بعض الجرائم لكشف الجناة، ولكن حتى الآن لم تتوصل لجان التحقيق بشكل نهائي لنتيجة وهي تعمل على وضع كل ما تصل له من نتائج امام القيادة الفلسطينية، ولكن يجب ألا ننسى أن العديد من الجرائم لا تكشف ملابساتها إلا بعد فترة من الزمن، لذا فالمهم المتابعة والمصداقية في النوايا.

إلى أين وصل العمل في ملفَي إعمار نهر البارد والحقوق المدنية والاجتماعية للاجئين الفلسطينيين؟ وكيف تتابعون كحركة فتح سير عمل هذين الملفين؟

هناك لجنة مسؤولة عن ملف نهر البارد كان المسؤول عنها سابقًا الشهيد كمال مدحت والمسؤول عنها الآن هو الأخ مروان عبد العال. ونحن كحركة “فتح” لنا مندوب فيها هو الأخ عاطف عبد العال، الذي يتابع كل ما يتعلّق بهذه القضية. ولكن المشكلة في هذا الملف تكمن في عدة أمور. أولاً، أن عملية إعادة الإعمار لم تُستكمَل بسبب عدم توفر الأموال اللازمة نتيجة عدم إيفاء الدول التي تعهّدت بدفع الأموال بالتزامها. ثانيًا، تبرز مشكلة الإيجارات، حيث أن الذين لم يتم إعمار بيوتهم اضطروا لاستئجار منازل خارج المخيم، وهناك عرقلة دائمة فيما يتعلَّق بدفع بدلات الإيجار لهم. ثالثًا، هناك ضرورة لتوفير الأموال لترميم البيوت المدمّرة في المخيم الجديد، إذ لغاية الآن لم يتم تقديم شيء يُذكر للأهالي سوى القليل، مما اضطر عددا من العائلات لتحمل تكاليف الترميم على نفقتهم الخاصة. رابعًا، تبرز مشكلة رسوم السيارات المدمَّرة، إذ هناك ما يزيد على 0100 سيارة دُمّرت وجرفت داخل المخيم القديم ومع هذا لا تزال الدولة اللبنانية تُلزِم أصحابها بدفع الرسوم المترتبة عليها سنويًا لدائرة الجمارك من أجل شطب تسجيل السيارات عن أسماء مالكيها، وهذا ما يثير استغراب الأهالي. وهناك مشكلة الخسائر الكبيرة في ممتلكات تجار نهر البارد، ولم يعوض عليهم شيء يذكر علماً ان خسائرهم تفوق المئة مليون دولار. وبالطبع تبقى هناك جوانب أخرى مثل تقليص الأونروا لتقديماتها ضمن خطة الطوارئ من ناحية العلاج على سبيل المثال الذي باتت لا تغطي منه سوى 75%، وهناك أزمة الفلسطينيين الذين يسكنون في بيوت من حديد منذ أكثر من 5 سنوات بانتظار إعمار بيوتهم، وهؤلاء لا يسمح لهم بالاستئجار بحجة امتلاكهم هذه البيوت على الرغم من أن هذه البيوت هي أشبه بمستودعات شديدة الحرارة في الصيف وشديدة البرودة في الشتاء. بالطبع هناك بعض الإشكاليات حول مواصفات البناء الجديد والاعتراض من قبل الاهالي على المساحة وعلى عدد الغرف. لكن الأهم يبقى هو أن يتم استكمال إعمار هذا المخيم الذي يحتاج الى 250 مليون دولار أميركي تعهّدت سابقًا دول الخليج بدفعها لكنها لم تفِ بوعودها. وبالتالي فمن حقنا أن نطرح سؤالًا حول الدوافع والخلفيات الكامنة وراء عدم دفع الأموال. فهل المطلوب عرقلة البناء لئلا يعود المخيم لسابق عهده بعد أن كان يحتضن أكثر من 35 ألف فلسطيني ويمتلك سوقًا ضخمةً جدًا؟!.

وبالنسبة لملف الحقوق المدنية والإنسانية والاجتماعية، فإن الفلسطيني بلا شك يعاني جراء حرمانه من هذه الحقوق على الرغم من أنها حقوق طبيعية لشعبنا أُكِّدت في القمم العربية التي عقدت سابقًا بما فيها حق العمل وحق التملُّك، وعلى الرغم من أننا، كفلسطينيين، ساهمنا في بناء اقتصاد لبنان منذ العام 1948، ونحن نعمل ونصرف أموالنا في لبنان. وكذلك فإن الفلسطينيين الذين يعملون في الخارج يرسلون الأموال لعائلاتهم في لبنان، وبالتالي فنحن نسهم في تعزيز الاقتصاد اللبناني إلى حد بعيد. لذا لا نقبل أن نُعامَل بهذه الطريقة التي نشهدها، وقد رفعنا صوتنا بهذا الشأن أكثر من مرة، وتشكَّلت لجان فلسطينية خاضت حوارًا معمَّقًا مع الوزراء اللبنانيين من أجل حقَي العمل والتملُّك على وجه الخصوص. وبعد الانتخابات الرئاسية ستكون الفرصة مؤاتية لبدء حوار فلسطيني لبناني على أعلى مستوى من أجل التفاهم على تأمين الحياة الكريمة لشعبنا بانتظار العودة إلى وطننا وأرضنا التي هُجِّرنا منها قسراً.

كيف تقيّمون أداء حركة “فتح” في لبنان؟ وما هي رسالتكم لأبناء الحركة وللفلسطينيين عمومًا؟

حركة “فتح” هي حركة وطنية أصيلة قادت الثورة الفلسطينية منذ البداية وما زالت العمود الفقري وصاحبة القرار الوطني الفلسطيني المستقل.

ونحن نؤمن أن دورنا هو دور تاريخي يجب أن يستمر من حيث الفعالية والإبداع والتضحيات إلى حين الانتصار والتحرير وإقامة الدولة الفلسطينية وتنفيذ حق العودة. ولا ننسى أن الثورة في بداياتها انطلقت من لبنان في العام 1969 وبالتحديد من نهر البارد، وكانت هناك عدة أحداث من ضمنها أحداث 23 نيسان 1969، ولكنها كلها أسفرت عن اتفاق القاهرة الذي تمَّ برعاية الرئيس جمال عبد الناصر بين الطرفين اللبناني والفلسطيني. ولا ننسى أن هذه الساحة ساحة أصيلة شهدت تضحيات جسيمة وسقط فيها شهداء عظماء من قياداتنا الفلسطينية ومن قيادات حركة “فتح” بشكل خاص، لذلك نحن نؤمن أنها يجب أن تكون معطاءة ومتماسكة وقوية وما يُنتِج ذلك هو وحدة الأداء في الحركة وتماسك الأُطر فيها وقوة حضورها السياسي والتنظيمي والإعلامي. لذلك نسعى باستمرار ورغم كل الظروف الصعبة والمعقدة المحيطة بنا، لقيادة هذه المرحلة معتمدين على الكادر المنتمي والملتزم والمؤصّل وطنيًا الذي يقرأ التاريخ جيدًا، ويعرف ما تعنيه حركة “فتح” في التاريخ الفلسطيني.

طبعًا أنا لا أقول أن أوضاعنا اليوم على ما يرام، لكنني أيضًا أنوّه إلى أن هذه الحركة مثل أي حركة وطنية، أو أي تنظيم أو حزب فيها مختلف الشرائح. ولكننا نعتمد على فريق مؤمن بمواصلة دوره التاريخي في الصراع ضد الاحتلال الإسرائيلي، ونعتمد على هذه النخبة التي لا تعرف الإحباط ولا اليأس وهي مستعدة دائمًا للتفعيل والتغيير مهما كانت الصعوبات، ولتجاوز الأخطاء وترميم ما يتم تدميره في البنية والهيكلية التنظيمية. وحركة فتح هي ملك للشعب الفلسطيني وليست حكراً على أبنائها فقط لأنها العمود الفقري للثورة الفلسطينية.

من جهة ثانية فنحن كحركة فتح تربطنا علاقات مميزة مع كافة الأطراف اللبنانية، ونحاول أن تكون علاقتنا متوازية مع الجميع، ونرفض الدخول في صراعات هنا أو هناك، ونبتعد عن حالات التجاذب لأننا متفرغون كليًا لقضيتنا الفلسطينية التي تتطلّب الدعم والتضامن الكامل من كل أصدقائنا سواء كانوا لبنانيين أو غير لبنانيين. ونحن كحركة فتح نؤمن منذ البداية بالوحدة الوطنية الفلسطينية، وليس لدينا خيار آخر لأننا لا نؤمن بخيار الحرب الأهلية ولا نؤمن بالصراعات الداخلية بل بالحوار، ونريد أن نبني واقعنا التنظيمي الداخلي عبر الحوار، وأن نبني الحركة العملاقة بعلاقاتها مع كل الأطراف السياسية الأخرى الفلسطينية أيضًا عبر الحوار المتواصل على أرضية مصالح شعبنا الفلسطيني. وبالطبع نحن بحاجة إلى جهد يومي ومعركة بناء يومية لا تتوقف، ورغم محدودية إمكانياتنا وقدراتنا ماديًا وماليًا إلا أننا نحاول القيام بالحد الأدنى المطلوب من الواجبات التنظيمية والاجتماعية والإنسانية تجاه مخيماتنا الفلسطينية. وإلى جانب ذلك، فنحن نبذل جهداً إعلاميًا من خلال الوسائل المتوافرة بين أيدينا وخاصة مجلة القدس، وموقع فلسطيننا الذي يعمل بنشاط على مدار الساعة لتسويق كل ما يتعلَّق بمواقفنا السياسية والتنظيمية وأخبار مخيماتنا ليس فقط على صعيد الساحة اللبنانية، وإنما أيضًا بالتواصل مع الداخل الفلسطيني ومع الساحات الدولية الأخرى التي تربطنا بها علاقات تعاون وشراكة. ولا شك أن هناك اهتمامًا بالاحتفالات والمهرجانات والاعتصامات التي تتم عادة في المناسبات، إضافةً لمشاركة قيادة الحركة في الكثير من الندوات التلفزيونية والمقابلات السياسية، وذلك في إطار العمل المبرمج والممنهج لإيصال صوتنا الفتحاوي السياسي المعبِّر عن قناعاتنا السياسية، المبنية على برنامجنا السياسي الحركي، ونحن نعطي الأهمية لهذا الجانب ونطمح ليكون عطاؤنا أوسع وأشمل واعمق لأن الإعلام يبقى دائمًا هو الصوت الذي يدخل كل بيت وشارع ومؤسسة ويؤثّر على الرأي العام الفلسطيني وغير الفلسطيني.

مفوضية الإعلام والثقافة – لبنان

13-05-2014

حوار: ولاء رشيد

مقالات ذات صلة