المقالات

الإسرائيليون صنعوا مشهدهم فماذا علينا أن نفعل؟

الإسرائيليون صنعوا مشهدهم فماذا علينا أن نفعل؟

طلال عوكل

انتهت الانتخابات العامة الإسرائيلية، أول من أمس، على مشهد يثير الكثير من التساؤلات ويطرح العديد من الملاحظات والاستنتاجات، التي ينبغي على الإسرائيليين قراءتها على نحو معمق، لكنها بالنسبة للفلسطينيين، قد لا تخرج عن السياق العام للسياسة الإسرائيلية التي عرفناها ولمسناها طيلة الفترة الماضية.

رغم ذلك، ولسبب التداخل والتأثير المتبادل بين المحتل والمحتلة أرضه، وربما من باب التشفي أحياناً فإننا أيضاً كفلسطينيين نراقب باهتمام، ونمضي شرقاً وغرباً في التحليل وتقديم الدروس والاستخلاصات، لكن الأهم من كل ذلك هو ما الذي علينا أن نستخلصه لأنفسنا، وما الذي ترتبه علينا نتائج الانتخابات الإسرائيلية.

يمكن الحديث عن فشل ذريع أصاب نتنياهو الذي بادر إلى تبكير الانتخابات؛ ظناً منه أن الظروف تتيح له الفرص، للتحكم في السياسة الإسرائيلية من موقع الرجل الأقوى، والتحالف الأقوى، لكن النتيجة المتحققة تقول إنه مشروع زعيم فاشل، مدع، كاذب، ولا تتوافر فيه صفات ومواصفات القائد التاريخي الذي يحتل مكانه بين زعماء إسرائيل التاريخيين.

اعتقد نتنياهو أن تحالفه مع ليبرمان، رغم معارضة أكثر من ثلث أعضاء الليكود سيمكّنه من الفوز بكتلة برلمانية تفوق حصتها في الكنيست حصص الحزبين في الكنيست الثامنة عشرة، والتي كانت اثنين وأربعين مقعداً.

واعتقد نتنياهو أن عناده وطريقته السيئة في التعامل مع الرئيس الأميركي باراك أوباما قبل إعادة انتخابه، سيكونان سبباً في إقناع الإسرائيليين بتأييده ومنحه احتراماً فائقاً. وفي السياسة عاد نتنياهو ليركب سلوك التطرف ضد الفلسطينيين، والتعهد بمواصلة الاستيطان والمحافظة على الكتل الاستيطانية، ثم النفخ بالملف النووي الإيراني، اعتقاداً منه أن ذلك سيكون كافياً لكي يحصل على ثقة جمهوره القلق، غير الواثق في إمكانية بقاء دولته. قبل الانتخابات خرج نتنياهو بعدوانه نحو قطاع غزة، في محاولة مفضوحة لكسب تأييد المصوتين في المناطق التي تتعرّض للصواريخ الفلسطينية، فكان عليه أن ينتبه ولم ينتبه، إلى أن الصواريخ وسعت دائرة الإسرائيليين الذين يقلقون على حياتهم وأمنهم.

كان عليه أن يدفع ثمن ائتلافه وصحبته وتحالفه مع مجنون مأفون مثل أفيغدور ليبرمان، عديم الخبرة، الذي قفز إلى رأس الدبلوماسية الإسرائيلية دون أن يكون لديه الحد الأدنى من الإلمام بقواعد وأخلاقيات التعامل المحترم مع الآخرين.

في كل الأحوال، لم يكن موضوع السلام والقضية الفلسطينية، مطروحاً على جداول أعمال ودعاية الأحزاب الإسرائيلية الرئيسة وغير الرئيسة، والسبب هو أن الفلسطينيين لم يبادروا إلى فرض قضيتهم بأشكال فاعلة على أجندة الانتخابات الإسرائيلية.

والدرس هو أنه دون فعل فلسطيني كبير يعبّر عن حجم أزمة الاحتلال الإسرائيلي دون طرح الأزمة على حقيقتها فإن أحداً لن يتحرّك، لأن التحرك يتبع المصالح، فإن لم تكن هذه المصالح معرضة للتهديد فإنه لا داعي للتحرك.

وعدا ذلك، علينا أن نسأل: لماذا كان هذا الفوز الذي حصل عليه تحالف (الليكود – بيتنا) ضعيفاً جداً؟

أولاً ـ لا شك في أن الجمهور الإسرائيلي الذي خرج 70? منه إلى صناديق الاقتراع في ظاهرة غير مسبوقة منذ عقود، قد شعر بالعزلة السياسية الشديدة التي دفعت سياسة (نتنياهو – ليبرمان) إسرائيل إليها الأمر الذي ينطوي على تهديد لمستقبل وجود إسرائيل؛ الأمر الذي عبرت عنه تسيبي ليفني قبل أيام حين قالت إن سياسة نتنياهو تهدد وجود إسرائيل.

الرئيس باراك أوباما هو الآخر كان قد وصف سياسة نتنياهو بالتدميرية. الدرس للفلسطينيين هو أن عليهم مواصلة فعلهم السياسي والدبلوماسي وخوض كافة أشكال الاشتباك على الساحة الدولية، وحمل ملفاتهم إلى مؤسسات الأمم المتحدة، والمحاكم الدولية والإقليمية والوطنية، فإن لم يتمكنوا من دفع إسرائيل إلى أقفاص الاتهام والمحاكمة فعلى الأقل فضحها ودفعها نحو المزيد من العزلة الدولية.

ثانياً ـ لقد جازف نتنياهو واعتمد أسلوباً وقحاً وفجّاً في التعامل مع إدارة الرئيس باراك أوباما، إلى الحد الذي انحاز فيه لصالح منافس أوباما في الانتخابات الرئاسية الأخيرة ميت رومني. إن الجمهور الإسرائيلي حساس إزاء العلاقات الإسرائيلية الأميركية، ولا نظن أنه يتسامح مع أي زعيم سياسي إسرائيلي يستهتر بهذه العلاقة، ويعرّضها للاهتزاز. إن الإسرائيليين يعرفون حقيقة أن الولايات المتحدة هي نسبياً الدولة الوحيدة التي تقف إلى جانب دولتهم “بالباع والذراع”، ولولا دعمها وحمايتها لإسرائيل لكانت في وضع صعب جداً وخطير.

ثالثاً: عدا فشل حكومة نتنياهو في مواجهة المسعى الفلسطيني للأمم المتحدة، وفشلها في تحقيق أهداف عدوانها الأخير على القطاع، فإن نتنياهو فشل فشلاً ذريعاً في معالجته الأزمة الاقتصادية الاجتماعية الداخلية.

في الانتخابات الأخيرة صوّت 17? ممن يحق لهم التصويت في مدينة تل أبيب لصالح (الليكود – بيتنا) بينما صوت أكثر من خمسين في المائة منهم لصالح (الليكود) في الانتخابات السابقة، مما يعني أن الطبقة الوسطى في إسرائيل فقدت ثقتها بالليكود وسياسته.

والآن، فقد حققت القوائم العربية في الانتخابات تقدماً قياسياً بما كانت عليه في الكنيست السابقة، لكن خللاً أصاب موقف الجمهور العربي الذي قاطع جزء منه صناديق الاقتراع بسبب مواقف الحركة الإسلامية وأبناء البلد، وكان من الأجدى أن يتفق الكل الفلسطيني داخل إسرائيل على خوض هذه المعركة بما يزيد من تأثيرهم على واقع السياسة الإسرائيلية. على كل حال فإن نتائج الانتخابات الإسرائيلية تشير إلى أن الحكومة القادمة ستكون حكومة ضعيفة، وقد لا تشهد استقراراً؛ مما يعني أن مثل هذه الحكومة ستكون خطيرة من ناحية، وأنها لا يمكن أن تتحمل أعباء عملية سلام تحتاج إلى حكومة قوية. هنا درس آخر يتعلق بعدم المراهنة على إمكانية تحريك عملية السلام، الأمر الذي يتحضر له الأوروبيون والمجتمع الدولي بعد أن ترسو مراكب الحكومة الإسرائيلية الجديدة.

الأيام، رام الله، 24/1/2013

مقالات ذات صلة