المقالات

انتخابات لتثبيت الجمود السياسي

انتخابات لتثبيت الجمود السياسي

تسفي بارئيل

في حملة اعلانات شبكة الغذاء السريع ‘ويندز’ في العام 1984، وقفت الممثلة كارلا بيلر، في حينه كانت في عمر 81 سنة، وفي يدها رغيف خبز مفتوح وفيه قطعة لحم صغيرة من صنع منافس وهمي، وعلى وجهها سيماء عجب: ‘اين اللحم؟’. في نفس السنة تبنى نائب الرئيس الامريكي، وولتر مونديل، هذا الشعار في حملته الانتخابية للرئاسة ضد البرنامج السياسي المعظم زعما الذي عرضه منافسه جاري هارت. فرد هارت بعرض كوم من الورق كدليل على أنه ‘يوجد لحم’ في برامجه. وبالنصر فاز رونالد ريغن.

في الانتخابات في اسرائيل ايضا يخيل وكأن المنافسة هي على نوع اللحم وحجمه، على افكار جميلة، على انزال ايد بين الاقتصاد والمجتمع وبين الامن، على الفاشية حيال الليبرالية، الارض مقابل السلام، على ‘سلم الاولويات’ وكذا بعض العنصرية. وكأن الناخبين مدعوون حقا للمشاركة في تصميم الصورة المستقبلية لدولة اسرائيل. يمكن لنا أن نهدأ. فهذه الانتخابات ليست على التغيير والتبديل، بل على تأكيد الموجود وتثبيت الجمود الفكري والسياسي الذي يقبض على عنق اسرائيل.

المضمون الفني لكل واحد من الاحزاب، او ما يسمى ‘البرنامج الانتخابي’، دقيق وواضح اكثر، بدون غموض كان يلف برامج قسم من الاحزاب في الماضي، مما انشأ في حينه الوهم في أن شيئا ما يمكن أن يتغير. ولكن هذه الصياغة المنمقة تذر الرماد في العيون. إذ يخيل للناخب بانه يعرف بالضبط ما الذي يشتريه. وما يبعث على الاحباط اكثر هو أنه يخيل للناخب بانه يمنح من قوته للايديولوجيا التي يؤمن بها كي تترجم الى السياسة. من ناحية احصائية هذا الايمان صحيح. في الساعات الاولى بعد اغلاق صناديق الاقتراع ستتضح بالفعل قوة الكتل الايديولوجية، ولكن من تلك اللحظة سيبدأ العمل الصاخب للخلاطة: اي حزب سيخلط نفسه بدون أن يعود أحد يتعرف عليه في داخل الكتلة المنتصرة، يفقد هويته ويحني رأسه لاملاءاتها. ومن سيكون البائس الذي لن تكفيه قوته حتى كي يجتاز عتبة الباب الذي يتيح لمسؤوليه نصيبا في الحكم. هذه هي المرحلة التي تقطع فيها بوحشية الصلة بين الناخبين واحزابهم، بين الايديولوجيا وبين ‘سيارة المال’ التي سيسافر فيها المنتخبون.

وعندها سيتضح ايضا، مرة اخرى، ان في اسرائيل لا توجد حقا كتلة وسط، وانها كلها فقاعة انتفخت على شرف الانتخابات فقط كي تتفجر في نهايتها في حضن اليمين. الاعذار ستكون بوفرة. ‘الكفاح ضد اليمين من الداخل’، ‘تحقيق شيء ما للناخبين’، ‘عرض بديل للشراكة مع اليمين المتطرف’. وكأنه توجد حقا قائمة الوان تعرض جملة من الاختيارات بين اليمين السيئ واليمين اللطيف. اما لكتلة اليمين مقابل شتات اليسار فيوجد وسيكون لون موحد يحدده طرفه الاقصى. لا فرق بين افيغدور ليبرمان وموشيه فايغلين، وبينهما وبين نفتالي بينيت وايلي يشاي وبينهما وبين آريه الداد وميخائيل بن آري. الشراكة السياسية بينهم هي أمر مفهوم من تلقاء ذاته إذ لا يوجد ولا يمكن أن يوجد تدرج للعنصرية أو جدول ترتيب للقومية المتطرفة. هذه الايديولوجيا السائدة التي نضجت في السنوات الخمس الاخيرة. وهي واضحة ومتبلورة لدرجة أن تصريح شيلي يحيموفيتش في أنها لن تنضم الى حكومة الليكود بيتنا البيت اليهودي قوة لاسرائيل اتحاد الشرقيين العالمي المحافظين على التوراة (نعم، هذا هو الاسم الرسمي لحزب شاس)، تعتبر برنامجا ايديولوجيا عالميا شاملا.

ظاهرا لم تعد يحيموفيتش تحتاج الى أن تعرض حلولا للعجز في الميزانية او أن تعطي رأيها في موضوع المستوطنات، التي من ناحيتها يكفي أنها تتعهد الا تكون يمينا. هذا ليس قليلا. ولكن اذا لم تكن يحيموفيتش يمينا، وعندما يكون الوسط هو سحابة دخان، فانها يسار. وحتى لو لم تعترف بذلك، وحتى لو ركلت وخبطت او ادعت بانها لم تنتبه بانها كذلك. المشكلة هي ان يسار يحيموفتش هو يسار عليل، عارٍ وخجول، بالاجمال ‘ليس يمينا’. لو كانت الممثلة كارلا بيرل على قيد الحياة، لكان ممكنا تجنيدها مرة اخرى كي تعرض على يحيموفيتش السؤال البريء جدا: ‘اين اللحم’؟.

هآرتس 16/1/2013

القدس العربي، لندن، 17/1/2013

مقالات ذات صلة