المقالات

المبادرة الفرنسية..تصفية لقضيتنا

المبادرة الفرنسية..تصفية لقضيتنا

د. فايز رشيد

يجري التركيز الدبلوماسي حاليا, فلسطينيا وفرنسيا وربما أوروبيا وعالميا ,على المبادرة الفرنسية التي سيجري طرحها على مجلس الأمن للحل بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني! ووفقا لما جاء في الأنباء: فإن مشاورات فلسطينية تجري مع فرنسا ودول أوروبية بشأن هذه المبادرة !

لقد تعودنا من المسؤولين الغربيين , وفيما يتعلق بالتسوية في الشرق الأوسط،أن يقولوا كلاماً جميلاً في البداية , فيه بعض من الإنصاف لبعض الحقوق الوطنية الفلسطينية،وذلك بهدف استدراج الجانب الفلسطيني للعودة إلى المفاوضات مع الكيان, وبعد(إنجاز) هذه الخطوة , يتراجع المسؤولون عن وعودهم السابقة ,ويصطفّون بالكامل إلى جانب المطالب “الإسرائيلية,” و إلى جانب رؤيا الدولة الصهيونية للحل.بالطبع يعود ذلك إلى أسباب كثيرة،لعل من أهمها:الضغوطات الخارجية والداخلية التي تُمارس عليهم من “إسرائيل” واللوبيات الصهيونية في أوروبا،والتيار الصهيو- مسيحي, وأصدقاء الكيان على الساحة الدولية ,وفي البلدان التي يحكمها هؤلاء بشكل أساسي.

هكذا كان الحال مع أوباما الذي تراجع عن كل وعوده،ومن قبله أيضاً:كان كلينتون،وجورج بوش الابن وغيرهم! فكلهم تراجعوا عن وعودهم لصالح الكيان الصهيوني.دعونا نستعرض ما مرّ على ما اصطلح بتسميته(المبادرة الفرنسية الأولى, التي كانت في عهد ساركوزي!) لقد انطلقت تلك من:عودة المفاوضات الفلسطينية مع الكيان على أساس دولة للفلسطينيين على حدود 4 حزيران/يونيو 1967،وإخضاع القضايا المختلف عليها كاللاجئين والقدس وغيرهما إلى التفاوض بين الجانبين،وعقد مؤتمر دولي حول الشرق الأوسط في باريس, يحضره الجانبان “الإسرائيلي” والفلسطيني،إضافة إلى الأطراف الدولية.هذا هو ملخص المبادرة الفرنسية السابقة ,التي بالطبع لم يكتب لها النجاح ! المبادرة الجديدة ,قزّمت الحقوق الفلسطينية أكثر من السابقة.

لقد كانت زيارة وزير الخارجية فابيوس في حزيران 2015 إلى الكيان وإلى أراضي السلطة الفلسطينية, جزء من الجهد لتحقيق اجماع دولي لاتخاذ قرار في مجلس الأمن حول المبادرة. رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، رفض المبادرة ، وكرر موقف كيانه حول الحاجة إلى مفاوضات مباشرة دون محاولات ضغط خارجي. اما الطرف الفلسطيني، بالمقابل، فقد أعرب عن تأييده للخطوة، والتي تخدم فكرته بشأن تدويل “النزاع “وتدخل الاسرة الدولية في حله. فابيوس، انطلاقا من الوعي بأهمية موقف الولايات المتحدة، أوضح بان فرنسا لن تطرح مشروع قرار في مجلس الأمن, إذا كانت واثقة من أن الولايات المتحدة من جهتها ستسخدم الفيتو ضده. في شباط /فبراير2016، قبل وقت قصير من اعتزاله، اعلن فابيوس بان فرنسا تعتزم عقد مؤتمر دولي في تموز من ذات السنة، بهدف اعادة تحريك المسيرة وانقاذ حل الدولتين.بعد وقت قصير من تسلمه مهام منصبه ,قام وزير الخارجية الفرنسي الجديد باستئناف للمبادرة ,موضحا ان فرنسا لن تعترف تلقائيا بدولة فلسطينية إذا ما فشل المؤتمر الذي تدعو إليه المبادرة. وعلى حد قوله، فان هدف فرنسا هو تجنيد الأسرة الدولية لتأييد الحل الوحيد الممكن، أي حل الدولتين، فيما أن الاعتراف بدولة فلسطينية ليس شرطا مسبقا لعقد المؤتمر،. وبقراره هذا الغى المسؤول الفرنسي نوايا سلفه!.

تقضي المبادرة بـ إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح في حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967 ، مع تبادل مناطق بمساحات متفق عليها ,وعلى أن تستجيب الدولة الناشئة “للاحتياجات الأمنية لإسرائيلية”. إجراء مفاوضات لا تزيد مدتها عن 18 شهراً للوصول إلى حل الدولتين لشعبين مع الاعتراف بالطابع اليهودي “لإسرائيل”. .حل عادل ومتوازن وواقعي لقضية اللاجئين الفلسطينيين ، بالاستناد إلى”آلية تعويض”. على الطرفين وضع معايير تضمن أمن كلا الدولتين ” إسرائيل” وفلسطين ,وتحافظ بشكل فعال على الحدود، وتصدّ “لإرهاب”, وتمنع تدفق الوسائل القتالية ، وتحترم سيادة دولة فلسطين المنزوعة السلاح. الانسحاب الكامل للجيش “الإسرائيلي” وعلى مراحل خلال فترة انتقالية يتم الاتفاق عليها. اعتبار هذه المبادرة بمثابة تسوية نهائية وليست اتفاقاً مؤقتاً.

المقصود القول أن باريس تعترف بما يطالب به الكيان من تعديل للحدود،والتعديلات التي تطلبها “إسرائيل” كثيرة(مثل شهيتها لاحتلال الأراضي العربية) فهي التعديلات التي تُبقى على المستوطنات والمستوطنين،والطرق الالتفافية والجدار العازل في الضفة الغربية،أي أن الدولة الفلسطينية ستقام على أقل من 18% من مساحة الضفة الغربية بالإضافة إلى قطاع غزة،دولة بكانتونات متفرقة مقطعة الأوصال.بالطبع ليس هدف الكيان من التعديلات ما يدعّيه:المحافظة على الأمن وعدم القدرة على حماية تلك الحدود،فالصواريخ الحديثة قريبة وبعيدة المدى قادرة على الوصول على أية نقطة فيها،الهدف الحقيقي للدولة الصهيونية هو:التخلص من الكثافة السكانية العربية الكبيرة في منطقة المثلث في أراضي 1948 في سبيل نقاء دولتها اليهودية.يتوجب القول أيضا..أن فرنسا اعترفت بـ “يهودية الدولة الصهيونية” وهوما يقطع الطريق على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم ,وفقاً لقرار الأمم المتحدة رقم 194،الأمر الذي يشي بأن ما جاء في المبادرة الفرنسية من إخضاع قضايا الخلاف بين الجانبين “الإسرائيلي” والفلسطيني كحق عودة اللاجئين.. والقدس (التي لن تكون أفضل حالاً من موضوع اللاجئين)،للمفاوضات بينهما… وهذه قضايا تم حسمها صهيونيا.. هذا الاعتراف يقطع الطريق على كل ما طرحته فرنسا في مبادرتها الجديدة ! ألم تفكر فرنسا بذلك حين صاغت مبادرتها الجديدة!؟.

خلاصة القول ، إن هذه المبادرة و في ظل تمترس الجانب الصهيوني, ومن خلفه الداعم الأمريكي بإنكار أي حق من حقوق الشعب الفلسطيني وعدم وضوح جدي حاسم للمبادرة الفرنسية, سوف لن تؤدي إلا إلى مفاوضات عبثية ماراثونية جديدة ، مع ما يقابل ذلك من لهفة من سلطة اوسلو للجلوس ثانية على طاولة المفاوضات, التي قد تكون دولية في ظاهرها وثنائية في جوهرها ، فما لم توافق عليه دويلة الإحتلال لن يتبناه المؤتمر الدولي ,إذا أخذنا بعين الاعتبار أن مرتكزات الشرعية في كل ما يطرح ,غائبة وغير معترف أصلاً بوجودها ، كما وأن والحق الذي لا تسنده قوة وقيادة واعية لا يمكن أن يتحقق .

مقالات ذات صلة