المقالات

الجيش المصري في حالة تأهب للثورة

الجيش المصري في حالة تأهب للثورة

تسفي بارئيل

الجيش المصري ومعارضو مرسي اقتنوا لانفسهم ثورة مختلفة عما قصدوه. إذ عندما يقتل المدنيون مدنيين في صدامات بينهم مثلما كان في نهاية الاسبوع، يعد القتل ‘جزءا طبيعيا’ من الثورة. أما عندما يقتل الجيش، الذي عرّف نفسه منذ الاسبوع الماضي كجزء لا يتجزأ من الصراع ضد الاخوان المسلمين، اكثر من خمسين متظاهرا، فانه يجر وراءه معارضي الاخوان والحركات الليبرالية الى موقف من العداء الجماهيري.

‘المذبحة’، ذات التعبير الذي استخدمه معارضو نظام مبارك في عهد الثورة الاولى، يعود الى الخطاب الجماهيري، هذه المرة، فان الجيش ‘حامي الثورات’ هو الذابح، ومن يرى فيه حليفا يعتبر هو ايضا متحملا للمسؤولية. هذا التخوف تفهمه جيدا حركات الاحتجاج التي واحدة منها على الاقل، ‘حركة 6 ابريل’، من أهم الحركات التي أشعلت الثورة السابقة، نشرت منذ الان بيان عزاء لعائلات القتلى.

لقد فجر هذا الحدث المأساوي على الفور الخطوة السياسية التي كان يخيل انها بدأت تشق مسارا معقولا لاستقرار الازمة. فقد توقف التعاون الحيوي بين الحركات العلمانية والتيارات الدينية، حين أعلن حزب النور السلفي عن أنه ‘على خلفية المذبحة لا يمكنه ان يقبل خريطة طريق الجيش’. وكان النور أعلن يوم الاحد معارضته لتعيين محمد البرادعي في منصب رئيس الوزراء او نائب الرئيس ‘لعدم التشاور معه’، ولكن الادق هو أنه يعتبر في نظره ليبراليا جدا. ولكن لا يوجد هناك مثل قتل المواطنين ما يمكنه أن يجعل المعارضة السياسية الايديولوجية تتخذ موقفا اخلاقيا. كما أن الزعيم الاسلامي عبدالمنعم ابو الفتوح الذي كان يمكن ان يكون شريكا سياسيا مهما، طلب هذا الصباح من الرئيس المؤقت عدلي منصور الاستقالة على خلفية الاحداث. ومن دون شريك ديني ستجد كل حكومة مصرية صعوبة في أن تعرض نفسها كمن يمثل الجمهور المصري كله وتحظى بالدعم لمواصلة عملها. يحتمل أنه منذ الان فقد الرئيس المؤقت، الذي عينه الجيش، مكانته الجماهيرية ومن غير المستبعد أن يقرر الاستقالة.

ولكن ما يبدو كانهيار للثورة الثانية هو جزء لا يتجزأ من الآلية التي رافقت الثورة المصرية منذ كانون الثاني/يناير 2011. وليس هي وحدها فقط. فثورات عديدة شهدت صعودا وهبوطا الى أن استقر الحكم في تلك الدول. أربعة رؤساء وزراء كانوا في مصر منذ الثورة، عشرات الاشخاص قتلوا بعد الثورة (من يذكر حدث كرة القدم الفتاك في بور سعيد أو القتل قرب قصر الاتحادية؟). في فترة هشة بهذا القدر، مفعمة بالعنف والغضب، كل يوم يغير المزاج العام الذي يتغذى اساسا بالتقارير في وسائل الاعلام العربية. واذا كانت بثت أول أمس المرة تلو الاخرى مقاطع فيديو ظهر فيها اسلاميون يلقون بمواطنين من مبان عالية ويضربون المارة بالعصي، فان الصورة التي سادت أمس هي لمواطنين جرحى، موضوعين في صفوف ويتلقون علاجا طبيا، على نمط الصور من سورية. وبالتالي يجدر عدم المسارعة الى استخلاص استنتاجات قاطعة عن مستقبل الثورة.

على هذه الخلفية مهم على نحو خاص سيكون رد فعل الجيش في الاسابيع القريبة القادمة. فمهمته الان ليست فقط حماية مؤسسات الدولة من الاعتداء أو تسويق رواية تبرر سبب اطلاق النار. ملقاة عليه المسؤولية في أن يستعيد الشرعية كمن يعمل باسم الشعب وينتمي الى الشعب ويمنع وضعا تضطر فيه حتى حركات الاحتجاج الى التنكر له، وبالتالي احباط تطلعه الى عزل حركة الاخوان المسلمين وجعلها عدوا مهددا.

هذه الشرعية حيوية ليس فقط لاعادة بناء الخطوات السياسية، فالجيش المصري الذي يدير معركة شديدة في سيناء ضد منظمات الارهاب يرى علاقة مباشرة، وربما عن حق، بين الاحداث في القاهرة وسلسلة الهجمات على قواعد الجيش، على انبوب الغاز وعلى الجنود المصريين في عدة مناطق في سيناء. في الاشهر الماضية حظي الجيش بتعاون مع زعماء القبائل البدوية ممن دعم الكثير منهم مرسي بسبب التصديق بانه كان يقصد بالفعل تحسين وضعهم الاقتصادي. واقام سكان بدو حواجز طرق بالتنسيق مع الجيش لفحص المواطنين المشبوهين، بل وساعدوا في ايجاد مخزونات السلاح. ولكن ما أن تبينت القطيعة بين الجيش ومرسي، وبادرت المنظمات الجهادية في سيناء الى أعمال ضد الجيش، حتى علق البدو ايضا في المعضلة ولا سيما في عدم يقين بالنسبة لاستمرار التعاون مع الجيش. اذا لم تمنح القاهرة شرعية جماهيرية للجيش، فان البدو ايضا قد يتبرأون من اتفاقات التعاون معه، وهكذا تستأنف جبهة سيناء بالذات في الفترة التي يوجد فيها الجيش في حالة تأهب للثورة تشد عضلاته حتى منتهاها.

هآرتس 9/7/2013

القدس العربي، لندن، 10/7/2013

مقالات ذات صلة