المقالات

الحالة العربية الراهنة مرارة خيبة وأفول

Jun 08, 2017

دخول الأزمة بين دول مجلس التعاون الخليجي إلى هذا المنحى التصاعدي، هو تعبير عن الحالة العربية الراهنة بمجملها. كما أنها دليل على افتقاد الدول

فايز رشيد
فايز رشيد

العربية، إلى إدارات وطنية لحل الأزمات، كذلك عدم وجود إدارة عامة على مستوى الجامعة العربية، لإيجاد الحلول، إضافة إلى افتقاد التجمعات الجيو – سياسية العربية.

العالم العربي، لو أحسن استغلال ثرواته وتنظيمها ضمن منظار جمعي عربي شامل، يقوم على أسس صحيحة، فإنه والحالة هذه، سيشهد تطورا تنمويا اقتصاديا على المستوى الوطني والقومي، ويؤسس لحالة سياسية عربية مستقرّة نوعا ما، في زمن فرضت فيه المستجدات والتطور، خاصة العولمة، على الدول، اللجوء إلى التجمعات الإقليمية للتنسيق بينها في المجالات المتعددة، لاسيما المجال الاقتصادي، حتى في ظل التفاوتات السياسية، لضمان شكل تأثيري قوي، إن على صعيد الإقليم الجغرافي، أو على الصعيد الدولي.

افتقاد هذه العوامل وغيرها في العالم العربي، ساعد على استفحال الأزمات العربية، وصولا إلى حالة قد يقال عنها الوصول إلى «نقطة اللاعودة»، حتى إن جرى حلّ توافقي لإحدى الأزمات، فستظلّ تُفتقدُ الأسس لحل أزمات أخرى سابقة ولاحقة، التي قد تفعل فعلها التأثيري في خلق حالة من الانقسامات بين شعوب هذه الدول، كما أن توافقيتها، لن تمنع حدوث أزمات طاحنة جديدة في العلاقات البينية العربية، تصل إلى الاستفحال البنيوي، لتؤكد حالة اللاعودة، بأضعاف أضعاف ما كانت عليه.

معروف أن النظام العربي الرسمي العام، يفتقد إلى ضمان الحرّية السياسية والتطبيق الديمقراطي الصحيح لجماهيره، في ظل حالة من تغليب الحل الأمني دائماً، بما يخلقه ذلك من نفاق من كل البطانات المحيطة بالهيئات الحاكمة، التي يجري تصوير الأمور لها، بأن الشعب، يسبّح بنعمها. في الوقت الذي وصل فيه التطور الاتصالاتي – التكنولوجي – المعلوماتي، مدى واسعا، حيث أن خبراً ما في استراليا، يأتيك بعد لحظات من حدوثه، فقد مضى عهد مسرحيات دريد لحّام (غوار) خاصة في «كاسك يا وطن»، الذي يعرف أخبار بلده من الإذاعات الأجنبية، ويلزمه الاتصال بقريته إن غاب عنها أسبوعا، الاتصال بباريس أولا، هذا التصوير الفذ، الذي هو سخرية محزنة ومريرة، واستعراض دقيق لما ذكرناه. في عالمنا العربي يجري إخفاء الحقائق عن الجماهير ضمن تصور غبي بأنها لن تعرف. منظمات التطرف الإرهابية لم تكن لتنمو إلى هذا الحد، لولا الدعم الاستعماري – الصهيوني وبعض العربي لها. في وطننا العربي تنتشر البيروقراطية العقيمة، والفساد، والمحسوبية والرشوة، والنهب والاغتناء اللامشروع. في بلادنا العربية، تُظلم المرأة، بل تُضطهد. في وطننا العربي، ما زال الفقر والبطالة والأمية في ارتفاع متزايد. في بلادنا تفتقد الهيئات الحاكمة، لإرادة اتخاذ القرار الحرّ. ما زال القمع وإخفاء السجناء، وتعذيبهم هو وسيلة لسيطرة الحكومات على مقدّرات البلد وحرّياته. هذه الممارسات وغيرها، لا يمكنها إلا إنتاج قرارات، أقل ما يقال فيها إنها خاطئة، لا تعكس الرغبات الجماهيرية. من زاوية أخرى، لا يمكن لهذه الممارسات إلا أن تؤدي إلى وعي جماهيري مشوّش، وفي بعض الأحيان قد يصل إلى المشوّه، بما لذلك من تداعيات على الأداء العام للدولة.

أيضا، فإن منطقتنا العربية بخصوصياتها المعروفة لأي مواطن عربي، حيث الموقع الجيوسياسي المتفرّد، الثروات العديدة (دول الخليج والبترول)، الخصوصيات التاريخية: فلسطين، بلاد الشام، العراق، مصر، تونس، اليمن الخ، الخصوصيات الدينية في بلاد الحجاز، الأسواق الاقتصادية لتصريف منتجات الدول الاستعمارية، وغيرها من العوامل، شكّلت مجالا حيويا لمطامع الدول الاستعمارية منذ قرون طويلة. ومع ظهور الحركة الصهيونية، أضحت مجالا لتحالف صهيوني – إمبريالي لإنشاء دولة الكيان الصهيوني، لتكون أداة الاستعمار في المنطقة، لمنع أي شكل من أشكال التكامل بينها، وللاعتداء على الفلسطينيين والكلّ العربي، ذلك منذ إنشائها وطيلة وجودها. لن نتدرج في استعراض تأثيرات وجود الحالة الإسرائيلية في المنطقة، فهي معروفة للقارئ الكريم، لكننا نؤكد أن تطور الوضع بالنسبة لرؤية إسرائيل، وتحت ضغوط استعمارية (منها حماية الأنظمة)، من الرعب من ظهور ما يشير إلى وجود علاقات لهذه الدولة، أو تلك مع دولة الكيان، إلى القبول (بل والتفاخر) بالعلاقات، وصولا إلى عقد معاهدات والتحالف معها في ناتو عربي – صهيوني تحت مسمى «محاربة الإرهاب» سواء في الإدراك أو عدمه، لحقيقة أنها دولة الإرهاب المنظم الأولى في العصر الحديث. هذه القراءة المشوهة، المعروفة الأسباب، لا يمكنها إلا خلق أزمات عربية متتالية، متفاقمة، على طريق أفول الدولة القطرية العربية ذاتها، أو تحطيمها، من خلال إشعال صراعات تناحرية طويلة بين صفوف مجتمعها، بما يؤدي إلى استهلاك جيشها، الذي قد يشكل ربما خطرا مستقبليا على إسرائيل.

ما قلناه عن المؤامرات وأهدافها، موجود وموثّق في مصادر كثيرة، معروفة للقاصي والداني، وواقع العدوانية الإسرائيلية الدائم والمستمر، كما قمم الرياض الثلاث التي عقدت مؤخراً، ونجاح ترامب في الحصول على عقود بحوالي نصف تريليون دولار على مدى عشر سنوات، وصهيونية تصريحاته في الكيان، وواقع الحال العربي القائم حالياً، تدلل على صحة ما نقول ودقته. ثم أوضاع العراق وسوريا ومصر واليمن والسودان والجزائر وليبيا، والحبل على الجرار، هي أيضا دليلٌ حي وشواهد إثبات دامغة على استحالة خروج الأزمات العربية من عنق الزجاجة، بل هي مؤهلة للتفاقم ضمن أشكال ومعطيات جديدة، ربما وصولاً إلى حروب بينية عربية، ذلك بوجود أيدي عربية ساهمت في تشكيل الأزمات، غير عابئة بتداعياتها التدميرية على الأطراف الأخرى المعاكسة، بل عليها أيضاً. للأسف راهنت جماهيرنا سابقا على الرئيس عبد الناصر في مرحلة ما، لكنه غير موجود حالياً، ومصر جرى تقزيم دورها، وليس من تأثير لها، وهي مكبلة باتفاقيات مع العدو الصهيوني، قديمة وجديدة، إضافة إلى أزمة اقتصادية متفاقمة، حتى وصل سعر الجنيه المصري إلى أدنى مستوياته في التاريخ، الأمر الذي أثّر سلبا على حياة إخوتنا وأهلنا في مصر.

ما أشبه الليلة بالبارحة، فالوضع العربي الراهن، يشابه عهد «ملوك الطوائف» في الأندلس، فقبيل طرد العرب منها، كان الحاكم العربي في إمارته يستعين بالعدو الإسباني ليحارب أخيه، وثق أبو عبدالله الصغير، آخر ملوك غرنطة بوعود ملكيْ قشتالة فرناندو وإيزابيلا، اللذين أقسما ألا يقيما حفل زواجهما إلا في قصر الحمراء، وقّعا معه صلحاً، وبعد فترة طالباه بتسليم المدينة. ولأنه استسلم في البداية، خارت ركبه من القتال، سلّمهما مفتاح غرناطة مقابل شروط له قبلاها. ولما احتلوا المدينة نقضا الشروط وقاما بطرده. في طريقه إلى المنفى في المغرب، وقف في منطقة جبل البشارات المطلّة على المدينة الضائعة، وبكى. خاطبته أمه عائشة الحرّة قائلةً «إبك كالنساء مُلكاً لم تحافظْ عليه كالرّجالْ»، ابتلع دموعه واستمر في طريقه إلى فاس.

التاريخ يكرر تفسه، ولكن هذه المرة بشكلٍ أكثر ملهاة ومسخرة، يجري تهويد القدس والمسجد الأقصى وحائط البراق، وقد أقرّت حكومة العدوّ مؤخرا بإقامة 2600 وحدة استيطانية جديدة. بالطبع يُفتقد حتى الاستنكار، فما بالك القتال؟ لتحرير «أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين»، بل تتم إقامة تحالفات مع العدو الصهيوني، الأموال تذهب إلى واشنطن، ولا يجري التبرع بملايين قليلة منها، للمحافظة على عروبة القدس. يقول المبدع المرحوم نزار قباني في قصيدته «متى يعلنون وفاة العربْ؟» أنا…بعد خمسين عاما، أحاول تسجيل ما قد رأيت.. رأيت شعوبا تظن بأن رجال المباحث أمرٌ من الله.. مثل الصداع.. ومثل الزكام.. ومثل الجذام.. ومثل الجرب. رأيت العروبة معروضةً في مزاد الأثاث القديم.. وما رأيتُ العربْ.

كاتب فلسطيني

مقالات ذات صلة