المقالات

تظاهرة أخطاء الولايات المتحدة

إن خلاصة تصور السياسة التطبيقية في الشرق الاوسط يعبر عنها المثل العربي: “اللي بتجوز إمي هو عمي”. وهذا تصور سياسي واقعي يسلم بحقائق غير لذيذة كما في هذا المثل الذي يتحدث عن رجل اجنبي له علاقة حميمة بالأم. وهذا الفهم لقوانين الشرق الاوسط غير موجود عند الساسة الغربيين ويفضي أكثر من مرة الى عدم معرفة قادة الغرب بأخطاء قاتلة في كل ما يتعلق بتدخلهم في الصراعات والازمات في منطقتنا، وبخطوات محرجة حقا احيانا.

ويعوض تعويضا ما عن هذا النقص، بنجاح جزئي وبغير قليل من الضرر احيانا، تلون ونفاق الساسة الاوروبيين والاميركيين الذي لا حدود له وهم الذين يدعون بنجاح محدود الظهور بمظهر المستشرقين بأسلوب “لورنس العرب”. وتستقبل بادرة الخير هذه التي لا إحكام فيها بقدر ما من سخرية العرب الذين يدركون ان الحديث عن جهد لارضائهم، لكن يوجد في هذا النفاق الظاهر شيء من التملق المضعف والشفاف في نظر أكثر الساسة الساخرين والمحنكين والدهاة – اليهود والعرب – في الشرق الاوسط الغارق في المؤامرات.

يمكن أن نذكر من الأمثلة على هذا التلون الضحل صورة اعلان الاتحاد الاوروبي في الآونة الاخيرة بأن حزب الله منظمة ارهابية. وفي نفس الوقت وصدورا عن مصالح مقرونة بالأساس بالخوف من جموع المسلمين “الارهابيين” في الداخل، دفع الاتحاد الاوروبي مهراً للمسلمين وأعلن مقاطعة مع منتوجات المستوطنات في “يهودا والسامرة”. وهناك مثال آخر على النفاق والتلون والاخلاق المزدوجة وهو معاملة وزير الخارجية الاميركي جون كيري التلاعبية والمهددة والمشحونة بالمنشطات، لاسرائيل التي قد تتعرض كما قال لمقاطعات اخرى اذا لم تطع مبادرته، وذلك في وقت مقارب بصورة مريبة جدا لخطوات المقاطعة التي أعلنها الاتحاد الاوروبي مع المستوطنات.

إن الولايات المتحدة وهي القوة العظمى التي هربت في جبن سفراءها من المنطقة وقوت “الارهاب” الاسلامي بذلك حينما سمعت نبأ هرب معتقلي القاعدة من السجون في العراق والانذار بعملية تقوم بها المنظمة في اليمن – تطلب الآن من اسرائيل تنازلات وانسحابات تعرض مواطنيها للخطر، والنساء والاولاد الذين يتعرضون في كل يوم لانذارات أخطر بأضعاف من تلك التي أصدرتها الاستخبارات الاميركية في اليمن.

وتظهر الولايات المتحدة مثالا على الاخلاق المزدوجة حينما تطلب من اسرائيل ان تفرج عن سجناء امنيين “قتلة” باسم تفاوض هاذ لا أمل منه، في حين تصر على عدم الافراج عن معتقلي غوانتانامو ولا عن بولارد وهو سجين يهودي لم يقتل أحدا ولم يعرض للخطر قط أي مواطن اميركي.

في حين لا يقترب حل الصراع الاسرائيلي الفلسطيني من قمة سلم أولويات الكوارث والمواجهات العسكرية في الشرق الاوسط، تصر الولايات المتحدة على حصر العناية فيه لسبب ما، أي على البحث عن قطعة النقد المفقودة تحت المصباح الاسرائيلي الذي هو المكان المضاء الوحيد في الشرق الاوسط.

إن حقيقة أن الولايات المتحدة واوروبا لا تحركان ساكنا في مواجهة مذابح جماعية في العالم لا سيما في الشرق الاوسط، تناقض منطقي. ويقف الغرب عاجزا متنحيا في مواجهة تسلح ايران بالطاقة الذرية ووقاحة كوريا الشمالية الذرية وتحدي الحرب الباردة من روسيا التي تزيد قوتها في سوريا واماكن اخرى، ولا يحرك ساكنا.

بازاء العقوبات العاجلة من القوى الكبرى للانقلاب العسكري الذي وقع في مصر خاصة – أجل هو انقلاب عسكري – يثور انطباع أن ليس الحديث عن نفاق فقط. فلو تلخص رد الغرب بالنفاق والاخلاق المزدوجة والجبن أو باظهار السذاجة المريبة نحو الاسلام كما يفعل اوباما لقلنا “معلش”. لكن نفاق الغرب وتقديرات العقوبات الكاذبة والتي لا أساس لها تثير القلق من أن الحديث عن مجرد عدم فهم. وقد قام الفريق السيسي آخر الامر وقضى على الاخوان المسلمين في مصر وسيناء التي هي مصدر مركزي لـ “الارهاب” الاسلامي العالمي وهو يحقق بذلك حلم الغرب اللذيذ. ويقول المثل العربي: “المبلول ما بخاف من المطر”. وليس للسيسي خيار سوى أن ينتصر مع المساعدة الغربية أو بغيرها. فيحسن أن يستثمر الغرب فيه الآن وأن ينهي سريعا “التمثيلية الديمقراطية” البائسة التي لا تجوز على أحد.

اسرائيل اليوم، 21/8/2013

الحياة الجديدة، رام الله، 22/8/2013

مقالات ذات صلة