المقالات

اصغوا جيداً لأقوال ديسكن

اصغوا جيداً لأقوال ديسكن

الوف بن

حسناً فعل رئيس المخابرات السابق، يوفال ديسكن، الذي تحدث مطولاً الى درور مورا في “يديعوت احرونوت” في نهاية الاسبوع، فنشر انطباعاته السلبية عن عمله في حضرة رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع، ايهود باراك. من المهم اجراء نقاش جماهيري في مواضيع الحرب والسلام، ولاسيما قبل الانتخابات التي يتنافس فيها نتنياهو على ولاية اخرى في قيادة الدولة، وباراك مرشح للبقاء في منصبه. شهادة ديسكن عن اداء هذا الثنائي تثري حرية المعلومات والنقاش.

يضن ديسكن في التفاصيل ويركز على حدث واحد: نقاش عقد في مقر “الموساد” في 2010، وأمر فيه رئيس الوزراء ووزير الدفاع بوضع الجيش الاسرائيلي في حالة تأهب لهجوم في إيران. واصطدمت هذه التعليمات باعتراض رئيس الاركان، غابي اشكنازي، ورئيس “الموساد”، مائير دغان، ولم تنفذ في نهاية المطاف. القصة ليست جديدة، وقد انكشفت تفاصيلها قبل شهرين في برنامج “عوفدا” التلفزيوني. ويضيف ديسكن الى ذلك اللون أساسا: السيجارات التي دخنها نتنياهو وباراك امام مرؤوسيهم، كؤوس المشروب التي صبها باراك لنفسه، طباخي “الموساد” بقبعاتهم البيضاء. وهو يصف احساس الاهانة ويروي عن تمرده الخاص: “قلت اني سأكف عن حضور المداولات التي تدخن فيها السيجار”.

وكان استنتاج ديسكن من سلوك نتنياهو – باراك في ذاك النقاش والذي بدا له ك “استخفاف تام بكل الناس”، انهما غير جديرين بقيادة اسرائيل في حرب ضد ايران. ويقدر ديسكن بأن الحرب مع ايران على الطريق. ولكن خلافاً لدغان، الذي عارض مجرد فكرة قصف المنشآت النووية في ايران فإن ديسكن لا يرفض الانطلاق الى العملية. فهو يخشى فقط أن ينطلق نتنياهو وباراك الى الحرب لاعتبارات غير موضوعية، يسميها “مسيحانية”، ويفشلا في ادارة الازمة.

ويمكن أن نفهم من أقوال ديسكن ان القيادة الجيدة في الحرب ملزمة بالتعفف عن السيجارات والكحول. يجدر به أن يتحلى ببعض التوازن. وينستون تشرتشل كان سكيراً ثقيلاً، محباً للسيجار، وفي اثناء الحرب العالمية الثانية عقد كل مساء ولائم مليئة بالشمبانيا في منزله، انكب عليها فريق من الطباخين، النادلين، والخدم على حساب المملكة. واعتزل يومياً الى القيلولة، وعانى من نوبات اكتئاب وغضب وتحدث باستخفاف تجاه المرؤوسين. جنرالاته – مثل اشكنازي وديسكن – شعروا بأن ليس لديه اي ثقة بهم (كل التفاصيل من السيرة الذاتية لجيفري بست، “تشرتشل”). وحسب مقياس السلوك لدى ديسكن، فإن تشرتشل ليس جديرا بقيادة المعركة على بريطانيا.

ولكن لماذا الابتعاد حتى هناك. فهذه الظواهر معروفة ايضا من تاريخنا العسكري. في ايام المعركة على اجتياز القناة في الحرب كان قائد الجبهة حاييم برليف يدخن السيجارات، قائد الفرقة ارئيل شارون ورجال قيادته، يستمتعون بالاجبان ذات الجودة العالية، والجنرال بيرن، خصم شارون، قاد فرقته مع الويسكي في المجنزرة. وقد تناكف الجنرالات في شبكات الاتصال حول المسؤولية عن الاخفاقات وحول ادعاء النجاحات – في الوقت الذي كان جنودهم يحترقون حتى الموت في الدبابات المشتعلة ويذبحون في قنوات المزرعة الصينية (التفاصيل في كتاب عميرام ازوف، “الاجتياز”). اعتقد قادة شارون في العام 1973 بأنه لا يعمل الا لاعتبارات سياسية وانتهازية؛ اما ديسكن بالمقابل، فيرى فيه زعيما وضع في قمة اهتمامه صالح الدولة. كل شيء مسألة جغرافيا وتوقيت.

وعودة الى أيامنا: ديسكن ينضم الى دغان في الادعاء بأن نتنياهو وباراك حاولا “سرقة” القرار بالخروج الى حرب في ايران، حين وجها تعليماتهما لوضع الجيش الاسرائيلي في حالة تأهب كان يمكن لها أن تتدحرج الى عملية، دون نقاش مسبق واقرار في محفل ذي صلاحية مثل المجلس الوزاري المصغر. وهو يتجاهل التفسير البديل، والذي لا يقل اقناعا في الجدال الذي جرى في النقاش المصيري: اشكنازي فشل في اعداد الجيش للحرب ضد ايران، وحاول تغطية اخفاقه بادعاءات اجرائية وبيروقراطية. تقرير مراقب الدولة في قضية هيرباز، الذي سينشر اليوم (أمس)، يصل رئيس الاركان السابق كضابط يسعى نحو الكبرياء، في أنه هو ومكتبه انشغلا حتى الرأس في الحفاظ على “مكانته” وفي الألاعيب ضد وزير الدفاع ومساعديه. وحتى ديسكن ينتقد بشدة رفيقه اشكنازي، بسبب “الاخفاقات الخطيرة” للجيش في الاعداد للسيطرة على الاسطول التركي. لعل من الجيد ان هيئة الاركان هذه لم تخضع للاختبار الاعلى بعملية في ايران.

ومع ذلك، من المحظور أن نتجاهل انتقاد ديسكن لباراك ونتنياهو. يجدر بنا الانصات له بالذات لأنه لا يعارض الحرب، ويصف نفسه كصقر. وهو يصف احساسا عسيرا من انعدام الاسناد والفرار من المسؤولية. ليس لديه شك بأنه اذا ما تعقدت العملية في ايران، فإن نتنياهو وباراك سيلقيان بالذنب على قيادة الجيش واسرة الاستخبارات. لهذا الاحساس يوجد شركاء، على ما يبدو ايضا بين كبار المسؤولين الآخرين الذين حضروا المشاورات عن العملية في ايران.

ولعل رئيس الوزراء ووزير الدفاع أكثرا من المداولات عن ايران، ولكنهما فشلا في كسب ثقة مرؤوسيهما في أن يقوداهم الى المعركة ويقفا الى جانبهم. تعقيب نتنياهو على الادعاءات، والذي يتهم ديسكن بالانتهازية السياسية ويتجاهل ادعاءاته الجوهرية يزيد فقط التخوف من شيء ما جذري متهالك في القيادة السياسية العليا.

“هآرتس”

الايام، رام الله، 8/1/2013

مقالات ذات صلة