المقالات

أبو علي مصطفى .. لقاء خاص!!

أبو علي مصطفى .. لقاء خاص!!

هاني حبيب

26 أغسطس, 2015

كل منا كان يدير ظهره للآخر، مستنداً على جذع شجرة زيتون في أحد حقول قرية “رميمين” في غور الأردن، كان ذلك أواخر 69، تجاذبت مع الرفيق الذي كنت معه في فترة حراسة نهارية، الحديث، فاقترح رفيقي “محسن” وهو سوري من “البوكمال” أن نعمل مجلة، أو نشرة، نعبر فيها عن “ثقافتنا” في تلك المرحلة العمرية والأجواء غير العادية، كنت ورفيقي أنذالك جزءاً من قاعدة عسكرية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

عرضنا الأمر على آمر القاعدة، الرفيق سعود، الذي شجعنا، جمعنا مادة ثقافية وسياسية، وشعر وقصص قصيرة، وتجارب شعوب، وتاريخ فلسطين، وعرضناها على آمر القاعدة، الذي اتصل لاسلكياً بالقيادة، في مكان ما، وحدد لنا موعد مع الرفيق أبو علي مصطفى، طبعاً لم نكن ندرك في ذلك الوقت، أن الأمر بهذه الأهمية التي تتطلب إطلاع الرفيق أبو علي مصطفى على النشرة التي أسميتها “المقاتل الثوري” تصدرها نخبة من مقاتلي الثورة الفلسطينية.

ذهبت وحدي، رفيقي محسن كان في نوبة حراسة، وجدت الرفيق أبو علي مصطفى والرفيق حمدي مطر، يجلسان تحت إحدى أشجار الزيتون، بجانب باب “المغارة” التي علمت فيما بعد أنها مركز القيادة، كان ابريق الشاي على نار الحطب وكاسات بلاستيك ملونة على صينية، بعد أن قدمت وأوراقي، تناول الرفيق أبو علي الأوراق، قارئاً بعض الفقرات بصوت عال مستفهماً من الرفيق حمدي مطر أبو سمير، منتظراً تعليقاته، التي جاءت ضاحكة باسمة، مع حركات مشجعة.

أبو علي توقف عند ملاحظات عديدة، أولاً، ليس هناك نخبة من مقاتلي الجبهة الشعبية، بل “يحررها مقاتلو الثورة الفلسطينية”، وشطب بعض الفقرات من مادة ماركسية نظرية، كونها طويلة، كنت قد جهدت كثيراً بتلخيصها، كما حذف مسابقة عبارة عن أسئلة تاريخية، وبدلاً من ذلك فقرة بعنوان: هل تعلم، نجيب فيها على التساؤلات المطروحة.

وبينما كان الرفيق أبو علي مصطفى جدياً جداً، مدققاً ومتوقفاً عند كل نقطة أو فاصلة، كان الرفيق حمدي مطر، أبو سمير، منفرج الاسارير، ضاحكاً طوال الوقت، معلقاً هنا وهناك بملاحظات سريعة لافتة، أضافت أجواءً رفاقية حميمة في حضرة أبو علي، الذي بالكاد يبتسم!!

وبينما كان الرفيقان يتناولان الأوراق بالتبادل، كنت منهمكاً في النظر إلى جوارب الرفيق أبو علي مصطفى، احداهن كانت قد تفتقت عند الأصابع عن إهتراء ظاهر، وكنت أحدث نفسي، أني استبدلت، كما الرفاق الآخرين، ملابسنا وبما في ذلك، جواربنا، قبل أيام، ثياب وجوارب جديدة، لكن أبو علي مصطفى، على الأغلب، لم يصله الدور بعد، لكن الأكيد – هو القائد – أنه فضل كسوة مقاتل على نفسه.

وبينما كنت أصعد التلال تلو التلال، للوصول إلى قاعدتي في أحراش جرش، ظلت هذه الصورة عن أبو علي، تسيطر على مشاعري، هذا الرجل الذي مازال فلاحاً، نشم رائحة الحقل والبيدر والمحراث، وهو يقود فيالق المقاتلين ويحرص على كل واحد منهم، بعد سنوات تعرفت أكثر على الرفيق أبو علي مصطفى، لكن تلك الصورة لم تفارقني، لأنها لم تفارقه حقاً، فقد ظل فلاحاً قروياً، حتى بعد أن تزود بالعلم والثقافة الماركسية من خلال العمل والتجربة، ولعل ذلك ما يفسر شعبيته في أوساط قواعد الجبهة رغم صرامته وجديته.

في تلك الحقبة التاريخية، كانت قواعد الفدائيين تنتشر على طول غور الاردن ، وسط قرى وأرياف تلك المنطقة، الأمر الذي أدى بطبيعة الحال إلى الاحتكاك مع الجماهير الأردنية، التي كانت تحتضن العمل الفدائي، كانت الأوامر المشددة تقضي بعدم اتلاف المزروعات واحترام المدنيين، لكن ما أمر به أبو علي مصطفى في ذلك الوقت له دلالته، تشكيل دوريات من المقاتلين، لزيارة القرى وتكوين صداقات، هذه الدوريات كانت تجوب تلك القرى، خاصة في أيام الحصاد وأيام جني الزيتون، لمساعدة القرويين، ولكن بصدق، لم تقم تلك الدوريات من الناحية الفعلية بمساعدة القرويين، لا في الحصاد ولا في جني المحاصيل، لسبب بسيط للغاية، وهو إننا كمقاتلين، لم نكن على دراية، لا من قريب أو بعيد، بأعمال الفلاحة، كما ظن الرفيق أبو علي مصطفى، بل كنا نزور الحصادين الذين كانوا بدورهم يقدمون لنا الطعام والشاي وتبادل الأحاديث الودية، وبالتأكيد كان هدف هذه الدوريات في الأساس ، كما خطط أبو علي، هو الالتحام بالجماهير الأردنية وبناء ثقة متبادلة معها، خاصة في أوقات كانت الخصومات مع النظام الأردني في تلك الفترة على أشدها.

بعد عقود عديدة، هذا هو أبو علي مصطفى ، يطغى على الذاكرة لأستعيد من دقق وتفحص وأرشد عملي الصحفي الأول!!

مقالات ذات صلة