المقالات

الواهمون بتطبيق صفقة القرن

اقترحت الولايات المتحدة ما تسميه «بتسوية النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي» لتصفية القصية الفلسطينية بالرؤية الإسرائيلية، لذلك قبل معرفة بنود الصفقة، اعترفت الإدارة الأمريكية الترامبية بالقدس الموحّدة عاصمة للدولة الصهيونية، ثم نقلت السفارة الأمريكية إليها، كما وعدت بأنها ستكشف بنودها قبيل نهاية شهر يونيو الحالي.

د. فايز رشيد
د.فايز رشيد

لذلك سيقوم وفد أمريكي (جیسون غرينبلات وجیرارد كوشنیر) بزيارة بعض دول المنطقة كما إسرائيل (مع استثناء السلطة الفلسطينية، إلّا إذا هي طلبت مقابلة الوفد مثلما قال متحدث باسم الخارجية الأمريكية). أهداف جولة الوفد الأمريكي بالطبع، تتمثّل في ضمان ظروف إقليمية لتطبيق الصفقة من جهة، ومن جهة أخرى لممارسة الضغوطات على السلطة الفلسطينية للقبول بتطبيقها!

الصفقة وفقا لما تحدثت عنها صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية تقضي بضم 10% من مساحة الضفة الغربية المحتلة لـ»السيادة الإسرائيلية»، وهذا يشمل القدس الشرقية المحتلة كاملة ومدينة الخليل، فيما تقام عاصمة الدولة الفلسطينية في منطقة محاذية للقدس. وقال تقرير للمحلل العسكري للصحيفة، أليكس فيشمان، إن بلورة هذه الخطة مرّت بتحوّلين: اعترف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، وقال حينها: «اسرائيل ايضا ستضطر إلى دفع ثمن». والتحول الثاني، حينما التقى ترامب نتنياهو، ليرى الأخير أن الصفقة مرت بتحول 180 درجة، حسب تعبير فيشمان.

وحسب تقرير الصحيفة، فإن الخطة باتت جاهزة، رغم ان الرئيس الفلسطيني محمود عباس «لم يكن سعيدا بكل ما سمعه من المبعوث الأمريكي غرينبلات». الخطة يرى فيها الإسرائيليون، «خليطا من الافكار التي عرضت في عهدي الرئيسين اوباما وكلينتون»، وتقوم على أساس حل الدولتين، ولكن مع طعم أو قنبلة اسرائيلية. إذ يجرى الحديث عن دولة فلسطينية مجرّدة، وأن اسرائيل هي الدولة «القومية للشعب اليهودي». ونتيجة لتدخلات السفير الأمريكي في إسرائيل ديفيد فريدمان، وهو من غلاة التيار الصهيوني اليميني الاستيطاني المتطرف، جرت تغييرات كثيرة في الخطة. ويشار، إلى أنه في كل ما ورد من تقارير، فإن خطة ترامب ستبقي ما سموها «دولة فلسطينية»، محاصرة من الجهات الأربع بجيش الاحتلال، بدون أي سيطرة على المعابر ولا على الأجواء، وفي ظل كل هذا، فإنه لا يوجد أي ذكر لحق عودة اللاجئين، المرفوض إسرائيليا وأمريكيا أيضا.

بالمعنى الفعلي، فإن 45% من مساحة الضفة الغربية تحتلّها المستوطنات الإسرائلية المقامة، التي لم ولن تتوقف. هذا يعني أن مساحة الأراضي المتبقية للفلسطينيين هي فقط 45% من مساحة الضفة الغربية، بدون حساب المساحة التي أقيم عليها الجدار العنصري العازل، ومنطقة الغور التي تصرّ إسرائيل على تواجد قواتها فيها، كما في رؤوس الجبال كمناطق استراتيجية ضرورية للأمن الإسرائيلي، ووفقا لما ورد في الصفقة، «فإن إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي»، وهذا لو حصل، سيشكل اعترافا ضمنيا فلسطينيا «بيهودية إسرائيل» وتداعيات ذلك، في إفراغ المناطق المحتلة عام 48 من أهلها! إلى جانب ضم المستوطنات والقدس والخليل إلى إسرائيل، أي أن المناطق الفلسطينية لن تكون أكثر من كانتونات (باندستونات) معزولة مقطعة الأوصال! ولا سيادة للفلسطينيين بالمعنى الفعلي على مناطقهم أو معابر حدودهم ولا أجوائهم ولا تحت أرضهم، فسيظل الإسرائيليون هم المتحكمين بدخول وخروج الفلسطينيين إلى خارج مناطقهم، مع إسقاط حق العودة للاجئين الفلسطينيين إسقاطا تامّا، وإمكانية دخول الجيش الإسرائيلي إلى المناطق الفلسطينية منزوعة السلّاح، كلّما ارتأت إسرائيل ضرورة دخولها لدواع أمنيّة.

ما سبق يعني، أننا أمام حكم ذاتي فلسطيني، حتّى لو جرت تسميته بـ»الدولة» أو حتى «إمبراطورية»! نعم، إن « صفقة القرن» تستجيب 100% للشروط الإسرائيلية، وأتت في هذا الوقت بالذات، لإنقاذ نتنياهو من تهم وفضائح الفساد التي يغرق وسطها، وبالفعل ارتفعت أسهم حزب الليكود بعد الحديث عن «صفقة القرن»، ما منع انهيار الحكومة الإسرائيلية وانفكاك الإئتلاف الحكومي القائم، كما صعد من نفوذ الأحزاب اليمينية الأكثر تطرّفا في الشارع الصهيوني، الآخذ باتجاه تزايد نفوذ اليمين المتطرف فيه. ما سبق يعني، استمرار الاحتلال الإسرائيلي للمناطق الفلسطينية ولكن بثوب جديد.

في علم السياسة، فإن تنفيذ أي اتفاقية بين طرفين، خاصة قضية صراعية كالقضية الفلسطينية الممتدة إلى مئة سنة خلت، وهي في حقيقتها صراع فلسطيني عربي ـ إسرائيلي صهيوني أكثر منها قضية نزاع بين فئتين بالمعنى الحرفي للكلمة. تنفيذ الخطة مرتبط أولا بالطرفين، ثانيا بالبعد الشعبي للطرف المحتلّة أرضه والمغتصبة إرادته. ثالثا بالبعد الشعبي والرّسمي العربي، رابعا، بالوضع الإقليمي، خامساً، بالوضع الدولي. في ما يتعلق بالأول، فإن إسرائيل التي تمت الاستجابة لشروطها، ستحاول تنفيذ هذه الصفقة، ولكن بعد تمّنع لكسب المزيد من التنازلات الفلسطينية. أما الجانب الفلسطيني فنشك بأن طرفا رسميا فلسطينيا سيقبل بها للأسباب التالية: أنها بدون القدس والخليل وهما مدينتان ذاتا بعد رمزي ديني، ثم إنّ « الدولة العتيدة» ستكون منزوعة السيادة والصلاحيات، وهي ليست أكثر من حكم ذاتي تحت الاحتلال، وأن أي طرف فلسطيني مهما كان يوقّع هذه الاتفاقية سيسقط مباشرة. أما البعد الثاني المتعلّق بالبعد الشعبي الفلسطيني، فباختصار أن شعبنا الفلسطيني في مناطق الوطن الثلاث وفي الشتات يرفض هذه الصفقة (الصفعة) الهادفة إلى تصفية قضيته التاريخية تصفية تامة! ثم، إن شعبنا لن يقبل بإنقاص حقوقه الوطنية، ومن ضمنها حق العودة، التي ضمنتها له قرارات الشرعيّة الدولية. نعم، شعبنا لا يناضل منذ مئة عام، وقدّم في سبيل تحرير وطنه عشرات آلاف الشهداء ومئات آلاف الجرحى، وعانى بل قاسى مرارات الغربة وتهجيره من أرضه، وظلم ذوي القربى لمخيمات اللجوء، من أجل حقوق منقوصة. بدليل مسيرات العودة في قطاع غزة الممتدّة منذ 30 مارس الماضي رغم الـ166 شهيدا وما ينوف عن 14 ألف جريح. هذا مثل بسيط يعكس إصرار شعبنا على التمسّك بحقوقه.

بالنسبة للنظام الرسمي العربي، فقد جرى تطويع معظمه لتمرير هذه الصفقة المهزلة! فبدأت فتاوى بطانة السلاطين وجوقاتهم الإعلامية المدفوعة الأجر مقدّما بالترويج لهذه المهزلة، من خلال أضاليل وتزوير لحقائق التاريخ، حتى لآيات القرآن الكريم، بالادّعاء: «أن بني إسرائيل ورد ذكرهم في القرآن مرّات عديدة، بينما لم يرد ذكر الفلسطينيين ولو مرّة واحدة» و»أن الفلسطينيين لا يشكلّون شعباً». إنهم يتساوقون مع أضاليل نتنياهو وحركته الصهيونية في أكاذيبها، بل زادوا على ذلك بادّعاءات تضليلية جديدة، «إنهم ليسوا بعرب بل هم «أعراب» وهم الأشدّ كفراً ونفاقاً». ووفقا لصحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية، فإن الرئيس ترامب سيطلب من دول الخلیج استثمار ملایین الدولارات لتحسین الظروف المعیشیة في قطاع غزة، وتأمین نصف ملیار دولار لصالح مشاریع إنسانیة واقتصادیة فيه. بالنسبة للعامل المتعلق بالبعد الشعبي العربي: فإن غالبية الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج تدرك تماما (بكل أطراف المقاومة فيها) حقيقة المخاطر الإسرائيلية على دولها، وقد جرّبت ذلك، لذا، فهي تقف ضد الوجود الإسرائيلي، رغم ما تعانيه من صراعات إثنية، طائفية ومذهبية، خطّط لها لتقسيم الدولة العربية الواحدة.

وبالنسبة للبعد الإقليمي والدولي لتطبيق «صفقة القرن» فهو بشكله العام غير مؤات للتفاعل إيجابا مع بنود صفقة القرن الأمريكية، فمعظم دول العالم ضد الاستيطان الإسرائيلي، ومع انسحاب إسرائيل إلى حدود 4 يونيو 1967، ومع أن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية العتيدة، ومع حقّ عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم وديارهم. لكلّ ذلك، فإن مهزلة صفقة القرن ولدت ميّتة، ولن يكتب لها النجاح، مهما هيّئ لترامب من جبروت يداعب خياله في إطار من جنون العظمة، التي تعمي صاحبها وتمنعه من رؤية حقائق العصر.

كاتب فلسطيني

مقالات ذات صلة