المقالات

أبعاد زيارة الرئيس أبو مازن إلى لبنان

أبعاد زيارة الرئيس أبو مازن إلى لبنان

06-07-2013

بقلم / رفعت شناعة

جاءت الزيارة في الوقت المناسب لتحقق الأهداف المرجوة والتي تعود بالفائدة على لبنان وعلى فلسطين، والبعض استغرب أن تتم الزيارة في وقت يشهد فيه لبنان توترات أمنية في أكثر من منطقة. من الواضح أن القيادة الفلسطينية تعتبر لبنان رفيق درب، وأمن فلسطين من أمنه، وبالتالي أبناء الخندق الواحد. والرئيس الفلسطيني من موقعه القيادي لشعبه يسعى باستمرار إلى ضمان استقراره، وأمنه، وعلاقاته الأخوية والايجابية مع الجهات اللبنانية المكلّفة بحفظ الأمن في لبنان.

جاء الرئيس أبو مازن ليحقق مجموعة أهداف تصبُّ في خدمة المصالح المشتركة اللبنانية الفلسطينية:

أولاً: في كافة اللقاءات التي تمت مع الأطر الفلسطينية الحركية، وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وفصائل التحالف، والقوى الاسلامية، والشخصيات الوطنية كان يركز على توجيهات محددة منها:

الحفاظ على وحدة الموقف الفلسطيني الداخلي من أجل محاربة عوامل الخلاف والفتنة الداخلية التي تسيء إلى العمل الوطني الفلسطيني وتهدد البنية الاجتماعية والاستقرار الذي يحتاجه الفلسطيني صاحب القضية المقدسة.

ب-الحفاظ على الموقف العقلاني الداعي إلى عدم الانخراط في الخلافات والنزاعات التي تجري على الساحة اللبنانية، وأن لا نكون طرفاً فيها، وأن نكون عنصر تهدئة وتوحيد، حتى نكون عاملاً مهماً للسلم الأهلي اللبناني.

ج- التعاون والتنسيق مع مختلف الأطراف المعنية في الدولة اللبنانية بما يضمن سيادة الدولة من جهة وأمن وكرامة وحقوق الفلسطينيين في لبنان، وهذا التنسيق قائمُ وبشكل جيد، وهو ما كان له فضلٌ في إنهاء بعض التوترات بأقل الخسائر.

د-التأكيد على أهمية إنهاء الانقسام في الساحة الفلسطينية، وإيجاد المصالحة الوطنية، وتطبيق ما تم الاتفاق عليه في القاهرة وفي قطر، والانتقال إلى الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني لاختيار القيادات الجديدة، وهذا حق للشعب الفلسطيني يجب أن يمارسه من أجل استقرار المجتمع الفلسطيني، وتفعيل نضاله ضد الاحتلال الاسرائيلي.

ثانياً:لقد أعطى فخامة الرئيس أبو مازن وقته بالكامل لعقد الاجتماعات واللقاءات أولها مع فخامة الرئيس ميشال سليمان، ثم مع دولة رئيس مجلس النواب الاستاذ نبيه بري، ودولة رئيس مجلس الوزراء مسيِّر الاعمال، وأيضاً الاستاذ تمام سلام المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة. كما استقبل العديد من رؤساء الكتل البرلمانية، والقيادات الحزبية الفاعلة في لبنان، إضافة إلى الشخصيات الوطنية المعروفة بدورها المعهود. وهذا الجهد المكثّف مع هذه الأطراف كان الرئيس أبو مازن يهدف من خلاله إلى طرح رؤية الجانب الفلسطيني لكيفية ترسيخ العلاقات بين الجانبين، وتوضيح الموقف الفلسطيني من مجموعة قضايا يستخدمها بعض الاطراف إعلامياً للإساءة إلى الجانب الفلسطيني، والرئيس أكد على هذه المفاهيم في جميع اللقاءات حتى لا يترك ثغرة ينفذ منها من يريد الاساءة إلى شعبنا الفلسطيني وهذه المفاهيم هي:

أ-نحن ضيوف مؤقتون في لبنان بانتظار العودة إلى أرضنا فلسطين، ولذلك نحن نرفض التوطين والتهجير، ونصرُّ على العودة إستناداً إلى القرار 194، واستناداً إلى المبادرة العربية للسلام التي نتمسك بها دون تعديل. وهذا الطرح أزال كافة المخاوف عند الأطراف اللبنانية إزاء مستقبل الفلسطينيين في لبنان.

ب-وحول موضوع السلاح الفلسطيني الذي يستخدمه البعض إعلامياً للإساءة إلى المخيمات الفلسطينية فقد أكد الرئيس أبو مازن لكافة الأطراف بأن السلاح خارج المخيمات لا يعنينا لأن طاولة الحوار اللبناني حسمت أمره، أما السلاح داخل المخيمات فالمتفق عليه تنظيمه، وعدم استخدامه للإساءة إلى أمن المخيم وجواره، ولذلك كان التأكيد على أننا تحت القانون ولسنا فوق القانون، واننا نلتزم بالسيادة اللبنانية، فنحن لسنا دولة داخل الدولة، وبالتالي فإن السلاح في المخيم قراره بيد رئيس الدولة اللبنانية عنوان السيادة في لبنان الحكومة، وبالتالي فالمخيمات بحماية الجيش اللبناني المعني بحماية كل من هو على الاراضي اللبنانية، والفلسطينيون جاهزون للقيام بالدور المطلوب للدفاع عن لبنان عندما يُطلب منهم ذلك. لقد وضع الرئيس أبو مازن موضوع السلاح في الإطار السياسي الصحيح، خاصة أن السلاح وسيلة وليس الهدف. والرئيس يدرك كما يعرف الجميع أن الدولة اللبنانية خلال الفترة السابقة لم تطلب السلاح من المخيمات، ولا هي طلبت الدخول إلى المخيمات، فلماذا تحاول جهات سياسية وإعلامية لبنانية الإساءة إلى المخيمات من خلال موضوع السلاح، خاصة أنَّ كافة الأطراف في لبنان مسلَّحة، واعتبر الرئيس أبو مازن أن الجيش معني بحماية المخيمات.

ج-سيادة الرئيس أبو مازن أكد على حيادية المخيمات، والابتعاد عن الصراعات القائمة، ونحن نحترم لبنان رئاسة وحكومة وجيشاً، ولبنان قادر على معالجة أوضاعه الداخلية، والدليل هو أن ما جرى في صيدا في المدة الأخيرة لم يستطع جرّ المخيمات إلى أتون الفتنة المذهبية، وتأبى المخيمات بكل قواها التدخل حتى لا تحترق في هذه الصراعات. فنحن أصحاب قضية مركزية نحتاج إلى الجميع أن يكونوا إلى جانبنا في مواجهتنا للاحتلال.

إنَّ مجموع هذه القضايا التي يتم التركيز عليها في اللقاءات صنعت أرضية صالحة وصلبة لطرح الحقوق المدنية والاجتماعية وتخفيف المعاناة عن المخيمات، وموضوع هذه الحقوق وخاصة حق التملك وحق العمل يحتاج كما هو معروف إلى موافقة الكتل البرلمانية اللبنانية لضمان نسبة التصويت المطلوبة في البرلمان، ولهذا السبب الرئيس أبو مازن أجاب على كافة الأسئلة المطروحة، مقدِّماً الصورة الحقيقية للمخيمات الفلسطينية، ورؤية القيادة الفلسطينية بعيداً عن عملية التشويه الاعلامي والمواقف الحادة. بمعنى أوضح لقد أنضج الرئيس أبو مازن الظروف المطلوبة التي تساعد في إنجاز الحقوق المدنية والاجتماعية، وذلَّل العقبات التي كانت تُطرح سابقاً، وطمأن اللبنانيين تجاه ما تطرحه القيادة الفلسطينية.

فخامة الرئيس ميشال سليمان عبَّر عن إرتياحه لهذه الزيارة مؤكداً على بعض المواقف:”أكدنا أهمية عدم إنزلاق الفلسطينيين إلى المشاكل الداخلية اللبنانية، وثمَّنا الجهود التي بُذلت لضبط أي تطور من جماعات فلسطينية مسلّحة في أحداث صيدا الأخيرة.”

“من الضروري العمل معاً لتطبيق مقررات الحوار التي تتعلق بالوجود الفلسطيني لا سيَّما ما يتعلق بالسلاح داخل المخيمات وخارجها.” وأضاف:”إنّ اللبنانيين والفلسطينيين أعطوا العالم على مدى عقود مثالاً على ما يُمكن أن يكون عليه التنوع والانفتاح.”

“أكدت للرئيس عباس أنّ اللبنانيين يقفون إلى جانب الفلسطينيين بمطلب العودة إلى وطنهم.” وأضاف: “نتعامل مع الفلسطينيين كأخوة وما نستطيع تقديمه لهم بطيبة خاطر”.

الارتياح لهذه الزيارة كان مشتركاً، وقد حرَّكت العلاقات الفلسطينية اللبنانية بشكل فاعل ومتفاعل وواسع، ودفعت بهذه العلاقات خطوة إلى الأمام. صحيح ان برنامج الرئيس أبو مازن لم يسمح له بزيارة المخيمات للعديد من الأسباب وخاصة أن هذا الأمر يحتاج إلى موافقة الامن اللبناني، فهناك تحمًّل مسؤولية أمنية ليس من السهل تحمُّلها، وتحتاج إلى ترتيبات مضنية، لكن الرئيس أبو مازن عمل وبجهد مكثف ما هو مطلوب منه تجاه واقع المخيمات، وحمايتها، وتمتين علاقتها مع السلطة اللبنانية والجوار اللبناني، وأوجد أرضية صلبة لطرح الحقوق المدنية والاجتماعية بشكل أفضل. كما أنه التقى بوفود من مخيمات لبنان، ونقل إليهم الصورة واضحة، وباختصار كانت المخيمات الفلسطينية في لبنان هي محور الزيارة الأول وهي الشاغل الأكبر، وهي التي تتحمل أعباء القضية الفلسطينية.

بقلم / رفعت شناعة

مقالات ذات صلة